138

وكأنما أطاف سؤاله بذهنها ذكرى فسترت وجهها بكلتا يديها، وبكت بكاء الفلاحات الساذجات، وأعولت ووجهها مدفون في راحتيها وجسمها منحن وشعرها متهدل على محياها البليل المتهضم، فأسقط في يد سارودين ولم يسعه الابتسام. وإن كان على هذا خشي أن يسوأها ابتسامه، وحاول أن ينحي كفيها عن وجهها فقاومته مقاومة عنيدة وظلت تبكي.

فقال: «يا إلهي.» ونازعته نفسه أن يصيح بها وأن ينزع كفيها وأن يسبها ويشتمها وقال لها بخشونة: «لماذا تبكين؟ لقد أخطأت معي وهذا من سوء الحظ ولا حيلة الآن، فلماذا كل هذه الدموع اليوم؟ أمسكي بالله .»

وأمسك بإحدى يديها فاهتز رأسها يمنة ويسرة، فكفت عن البكاء بغتة ونحت كفيها عن وجهها المبلل بالدمع ورفعت عينها إليه كما يرفعها الطفل الخائف، وطاف بذهنها بمثل سرعة البرق أن في وسع من شاء أن يلطمها الآن، ولكن سارودين ألان من شدته، وقال بصوت المواسي: «اسمعي ياليدوتشكا، كفي عن البكاء، إنك ملومة مثلي، فلماذا تحدثين ضجة؟ لقد خسرت الكثير ولا شك، وإني لأعلم ذلك ولكنا نلنا حظا كبيرا أليس كذلك؟ ويجب علينا أن ننسى ...»

فانطلقت ليدا تبكي من جديد فصاح: «أوه، أمسكي عن هذا.»

ثم مشى إلى آخر الغرفة وجعل يشد شعر شاربيه بعنف وشفتاه ترجفان وصارت الغرفة ساكنة. وحط طائر على أغصان شجرة مما يلي النافذة. فاهتزت في رفق وحاول سارودين أن يكبح جماح غضبه فدنا من ليدا وطوق خصرها بذراعه، ولكنها أفلتت منه مسرعة وضربته بجمع يدها على ذقنه ضربة اصطكت لها أسنانه فصاح مغضبا: «إلى الشيطان بها!»

وآلمته الضربة وغاظه صوت أسنانه المصطكة أكثر مما ألم للطمة.

ولم تسمع ليدا قوله هذا، ولكنها أدركت بفطرتها أن موقف سارودين مضحك فانتهزت هذه الفرصة بكل ما أوتيت المرأة من قسوة وقالت تحاكيه: «أي ألفاظ هذه؟»

فأجابها مغيظا: «إن هذا يكفي لاستفزاز أي إنسان!»

ثم عاد فقال: «لو أني عرفت ما خطبك!»

فقالت ليدا بلهجة جارحة مرة: «أتريد أن تقول إنك ما زلت تجهل؟»

Bog aan la aqoon