Safwat Casr
صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر
Noocyada
ثم وجه عنايته إلى إصلاح وتنظيم طرقات المدافن، ونظم كثيرا منها، وشاد مدفنين خاصين لفقراء الطائفة، ولما رأى أن حالة الدير تستدعي عناية كبرى ومساعدات مالية، سيما لما رأى أن تلك الأراضي قاحلة والأتربة تتصاعد لأقل حركة فكر بأن يشكل لجنة من أبناء الكنيسة المترددين لتعاونه على الأعمال، وجمع الإعانات والتبرعات اللازمة للتحسين، وعرض هذه الفكرة على غبطة البطريرك المعظم، فسر منها كثيرا وكلفه بانتخاب الأعضاء الذين يرى فيهم الكفاءة والنزاهة، وفعلا قام صاحب الترجمة بتشكيل لجنة من بعض الغيورين على مصلحة الطائفة، وشرعوا في نظام وتحسين مقابر الدير، وسن لذلك قانونا بتاريخ 3 سبتمبر سنة 1922 وهو تاريخ البدء في العمل وجمع التبرعات.
أعماله الخالدة لخير الدير ورقيه
وقد شرع أولا وبادر بمفاوضة شركة المياه لجلب الماء اللازم لرش الأراضي والمزروعات، فأجيب إلى طلبه وجاءت المياه بثمن مناسب، ووجه همته إلى تنسيق الحدائق والمنتزهات فيرى الداخل من باب الدير العمومي طرقة فسيحة غرس على جانبها أشجار باسقة ذات أظلال، ويتفرع من تلك الطرقة منتزهات متفرقة تحاكي المنتزهات العمومية في ميادين القاهرة من حيث جمال تنسيقها وحسن منظرها، بحيث إن الطرق التي توصل إلى ساحة القبور صارت تضارع شبيهاتها في المقابر الأجنبية.
وإننا نلخص هنا مجمل ما قامت به تلك اللجنة من الخدمات القيمة والمجهودات الفائقة، فقد قامت بتعميم غرس الأشجار في جميع المماشي والطرقات الرئيسية، وهذه الأشجار من النوع الذي إذا كبر ونمت أوراقه ألقى ظله الوارف على الطريق فيقي المارين فيه حرارة الشمس، ويعطي رونقا جميلا يخفف من وحشة تلك المنطقة، وسعت في إزالة المقابر البارزة التي تظهر في الشوارع الرئيسية من الساحة لتجعلها مستقيمة، وخابرت فعلا أصحابها لاستبدال البارز منها بآخر في الأرض الفضاء التي تجاوره، وقامت أيضا وفوق رأسها هذا المصلح العظيم إلى تنظيم شوارع الساحة الداخلية، ورصفها بالمكدام وعمل أفاريز منزرعة على جوانبها، وإقامة مراحيض صحية على الطراز الحديث مستكملة كل أساليب الراحة، وطرح مشروع بناء مقابر للفقراء والغرباء، وعمل خزان صحي، وهدم وبناء واجهة الدر على الطرز الحديث، وهي جادة في إدخال النور الكهربائي لمدخل الكنيسة والدير، وسيحقق هذا المسعى قريبا بفضل ما يبذله حضرته من المساعي المشكورة وكذا حضرات أعضاء لجنته الكرام، وقد أنشئت سبيلا خاصا للزائرين وأحواضا كبيرة مجاورة للمقابر، ومن فوقها الحنفيات لأخذ ما هو لازم من الماء لري الأشجار والمنتزهات، وأراضي الدير وزائري المقابر أيام المطلع.
وقدرت تلك اللجنة اشتراكا سنويا وشهريا على أصحاب المقابر يحصل منهم بموجب قسائم رسمية مطبوعة، وعينت محلا خصيصا لذلك، وقد خصصت هذه الاشتراكات للإنفاق منها على مرتبات الجنينية واستهلاك المياه إلى غير ذلك من النفقات الضرورية، وما يتبقى منها يصرف لإتمام المشروعات الهامة، وكل ذلك مرصود بدفاتر منتظمة، وفي كل سنة تطبع تقريرا عن مصروفاتها وإيراداتها وبيان المشروعات التي قامت بعملها، ويرفع إلى غبطة البطريرك المعظم، ويوزع على أفراد الطائفة.
ومما يذكر له بالشكر والثناء أنه لما رأى أن شارع الديورة الذي أمام الدير خاليا من النور، سعى سعيا متواصلا لدى مصلحة التنظيم ومحافظة مصر بمد أنابيب الغاز به، وبعد جهد كبير استصدر أمرا من مدير عام مصلحة التنظيم في شهر ديسمبر سنة 1925 بإنارة هذا الشارع، وتركيب فوانيس الغاز اللازمة له وإتمام ذلك في شهر أبريل سنة 1926 أي: أول السنة المالية الرسمية لميزانية الحكومة المصرية.
ونظرا لوثوق غبطة الأب البطريرك المعظم في مقدرته ونزاهته وكفاءته الشخصية، وميله الكلي إلى الإصلاح عينه عضوا بالمجلس الروحي سنة 1911م، وكذا لما شكل المجلس الملي العام سنة 1912 عين عضوا به ولا يزال عاملا به حتى الآن، وعندما تجدد انتخاب المجلس الملي العام في مارس سنة 1923، استمر عضوا به كما انتخب أخيرا سكرتيرا للمجلس الأكليركي العام ولجنة الكنائس.
ولا شك أن في تعيينه لكل هذه المراكز السامية الدليل الساطع والبرهان القاطع على عظيم كفاءته، وغزارة فضله وجده وإقدامه، هذا فوق ما منحته إياه العزة الإلهية من نعمة الإيمان، والتحلي بالفضيلة والأدب الجم والغيرة على الإصلاح بأمانة وإخلاص وجد ونشاط.
صفاته وأخلاقه
حر الضمير، ثاقب الفكر، راجح العقل، يتقد غيرة على مصالح الدير والكنيسة، مشهور بأصالة الرأي، وتصريف الأمور بالحكمة على جانب عظيم من دماثة الأخلاق، والأدب، وكرم الطباع.
Bog aan la aqoon