308

Safwat Casr

صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر

Noocyada

من كبار العلماء الأعلام

كلمة للمؤرخ

إن خير البلاد ما أنجب عظماء الرجال، فلا غرو إذا كانت طهطا إحدى مراكز مديرية جرجا في مقدمة البلاد السعيدة بأبنائها، ولا بدع إذا فاخرت أكبر العواصم بمن أنجبت من كبار علماء الأمة وعظماء رجال الدين.

في هذه البلدة الزكية ولد حضرة صاحب الترجمة العلامة الأجل، والفهامة الأكمل صاحب الفضيلة السيد أحمد رافع بن الفاضل محمد رافع بن السيد عبد العزيز رافع الحسيني القاسمي الحنفي الطهطاوي.

فضيلة الأستاذ العالم الجليل السيد أحمد رافع الطهطاوي.

وهو من أسرة ذات مجد أصيل وشرف أثيل كانت ذات عز وفخار وثروة كبيرة ويسار، وكلمة نافذة مع الكرم والسخاء، لها الالتزامات السلطانية والأرزاق الواسعة، والمرتبات الوافرة، وقد استمرت على هذه الحال عدة أجيال إلى أن نزعت من أيديها التزاماتها وقطعت عنها مرتباتها في أواسط العقد الثالث من القرن الثالث عشر، فجارت عليها الأيام بعد أن جرت الغيث في دارها، وأشارت إلى نصبها الأعوام بعد أن نصبت أعلام الراحة في مزارها، ثم ظهر منها أفراد أعادوا إليها رفيع مجدها، منهم المرحوم رفاعة بك العالم الشهير، ثم والد صاحب هذه الترجمة وقد ذكر المرحوم علي باشا مبارك في الخطط الجديدة التوفيقية المؤلفة في سنة 1293ه حالة هذه الأسرة، وما كانت عليه على سبيل الإجمال، حيث قال في الكلام على «مدينة طهطا»: وفيها كثير من الأشراف من سيدي أبي القاسم الحسيني التلمساني الطهطاوي، وهم أكابرها من عدة أجيال، ولهم فيها منازل مشيدة ومضايف وكانت لهم مرتبات واسعة من بيت المال، ثم ذكر والد صاحب هذه الترجمة «حيث قال»:

ومنهم الآن الأجل الفاضل السيد محمد عبد العزيز رافع قد اجتمع له الدين والدنيا ومكارم الأخلاق، تولى الإفتاء مدة في مديرية جرجا، ثم اقتصر على اشتغاله بشأن نفسه من أمر دينه ودنياه وله ابنان، أحدهما له وظيفة نقابة أشراف تلك الجهة، بعد أن جاور بالأزهر مدة، والآخر منهمك في طلب العلم مع النجابة الزائدة. ا.ه.

مولده ونشأته

والثاني هو صاحب هذه الترجمة وقد ولد بمدينة طهطا بمديرية جرجا في جمادى الثانية من سنة 1275ه «الموافقة لأوائل سنة 1859م»، ونشأ بها واشتغل بتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الشريف حتى أتم حفظه وهو ابن عشر سنين، ثم اشتغل بحفظ المتون العلمية على يد والده السالف ذكره فحفظ منها جملة كثيرة حفظا جيدا، وكان مع ذلك يأخذ عن والده وغيره مبادئ علم التوحيد والنحو والفقه، ثم وفد إلى الجامع الأزهر في سنة 1287ه، وسنه إذ ذاك اثنتا عشرة سنة فواظب فيه على تلقي العلم الشريف ومكث به نحو اثنتي عشرة سنة، أخذ فيها جميع العلوم الجاري قراؤها فيه متلقيا عن كثير من أكابر علمائه كالأستاذ الجليل الشيخ محمد عليش، وابنه الشيخ عبد الله والأستاذ محمد الخضري الدمياطي الأزهري، والعلامة شمس الدين محمد الإمبابي، وتلميذه المحقق الشيخ حسن بن رضوان الخفاجي الدمياطي، والشيخ عبد الهادي الإبياري، والشيخ عبد الرحمن الشربيني، والشيخ زين المرصفي، والشيخ محمد أبي النجاة الشرقاوي، والشيخ عبد القادر الرافعي، والشيخ عبد الرحمن القطب النواوي، والشيخ حسن الطويل، والشيخ محمد البسيوني الببياني.

وقد أذن له بالتدريس في سنة 1299ه العلامة شمس الدين الإنبابي شيخ الجامع الأزهر إذ ذاك، وأجاز له أن يروي عنه ما يجوز له رواية وما يصح عنه دراية بعد أن لازمه مدة وأخذ عنه علوما عدة «قال»: فلما لاح لي كوكب صلاحه وفاح لي مسك فلاحه ورأيته أهلا لتلك الصناعة، وجديرا بتعاطي هاتيك البضاعة حيث أخذ من الفنون بأقوى طرف، وأراد الاقتداء في أخذ الأسانيد بمن سلف بادرت إلى طلبه لإعطائه بلوغ أربه، فلم أثن عنه عنان العناية بل أجزت له بما يجوز لي رواية ويصح عني دراية من فروع وأصول ومنقول ومعقول، وأذنت له في التدريس وأن يتخذ العلم خير جليس «إلى آخر ما قال»، وكذا أجاز له العلامة الجليل السيد علي بن خليل الأسيوطي الذي تلقى عن الشيخ علي بن عبد الحق القوصي عن الشيخ محمد الأمير الكبير، وكذا أجاز له والده السابق ذكره الذي تلقى عن الشيخ علي بن محمد الفرغلي الأنصاري عن الشيخ محمد الأمير الكبير، وقد تلقى مسلسل عاشوراء عن الأستاذ الشيخ إبراهيم السقا، وسمع الحديث المسلسل بالأولية من الأستاذ الشيخ محمد الأشموني الشافعي عن الشيخ علي البخارتي عن الشيخ الأمير الكبير، وكان العلامة الشيخ محمد العباسي المهدي مدة مشيخته للجامع الأزهر رغب أن يعين صاحب الترجمة في وظيفة شرعية كبرى، وعرض عليه ذلك فأبى قبولها، واختار البقاء على حالته التي نشأ عليها من مبدأ اشتغاله بالعلم، وهي الاطلاع على الكتب العالية الغريبة والتنقير فيها على غرائب الفوائد؛ ليتهيأ له السلوك في سبيل الأفهام السديدة الانتقادات الصائبة التي يضمنها مؤلفاته، وقد ظهرت فوائده العلمية ومواهبه العقلية وعرفت لدى الخاص والعام، وشهد له بالتفوق في العلوم مشايخ الجامع الأزهر، وكثير من علمائه الأعلام فيما قرظوا به كتابيه بلوغ السول، وكمال العناية الآتي ذكرهما.

Bog aan la aqoon