307

Safwat Casr

صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر

Noocyada

وظل بالإسكندرية حتى تقرر نقله إلى الأزهر في 4 أكتوبر سنة 1921، تبعا لنقل القسم العالي من معهدي الإسكندرية وطنطا إليه، واستمر على التدريس فيه حتى اختير مفتشا عاما للأزهر والمعاهد الدينية الإسلامية الأخرى في شهر أكتوبر سنة 1923، ومع قيامه بهذه المهمة فقد أسند إليه التدريس بقسم التخصيص المنشأ حديثا، وفي هذه الأطوار تراه المثل الأعلى والقدوة الصالحة في الإخلاص في العمل والأمانة فيما يكلف به.

وعلى يديه تخرج كثير من أفاضل العلماء من مدرسين وقضاة، كما كانت دروسه مصدر نبوغ طائفة كبيرة من خريجي مدرسي القضاء الشرعي ودار العلوم، الذين بدءوا حياتهم الدراسية على يديه.

وفي أثناء مقامه في الإسكندرية شجر الخلاف بينه وبينه الكتاب في بعض المسائل العلمية، وفي مقدمتهم المرحومان الشيخ علي يوسف وحفني بك ناصف، فكانت دروس عالية في أدب المناظرة وقوة الإقناع، وبعد ذلك توالت مقالاته الممتعة على الصحف اليومية في الموضوعات العلمية والأدبية والدينية والسياسية.

ولما رأى حاجة المسلمين ماسة إلى الإصلاح أسس في سنة 1914م بمدينة الإسكندرية جمعية إرشاد الخلق إلى الحق، التي ضمت كثيرا من العلماء والأعيان لمواساة الفقراء، وإصلاح ذات البين وإبطال شبه الملحدين، وتأسيس المدارس لتعليم مبادئ الدين والأخلاق، ولولا وقوف حكومة ذلك العهد في وجهها لكان لها اليوم شأن عظيم في ترقية الآداب والأخلاق، ونشر الاتحاد والوئام، ولما نهض زعيم البلاد عقب الهدنة لتشكيل الوفد المصري، وكان جمهور العظماء والمفكرين في كل مدينة يجتمعون للتفكير في مستقبل البلاد كان هو أول من رفع صوته بذلك في مدينة الإسكندرية، وكان منزل فضيلته بها مجمع رجال الوطنية المخلصين من أبنائها، وحينما اعتقلت السلطة دولة سعد باشا زغلول في 9 مارس سنة 1919، اعتقلت فضيلته أيضا في اليوم التالي في حجرة خاصة بقسم محرم بك بالإسكندرية، ثم أفرجت عنه في اليوم الذي أطلق فيه سراح دولة الرئيس وزملائه من مالطة، فعاد إلى مكانه في قيادة الحركة الوطنية في ثغر الإسكندرية، وكان أول من رفع علم الاتحاد فيه، وصورته الفوتوغرافية التي أخذت لذلك الحين مع كبار رجال الدين من الأقباط في الإسكندرية تذكار دائم لهذا العمل المجيد، الذي قدره عظماء الطائفتين قدره وقد أهدى إليه عظماء الأقباط بهذه المناسبة علم الاتحاد، فتسلمه منهم في احتفال كبير أقيم لهذا الغرض، وبقي وديعة لديه إلى أن سلمه لدولة الرئيس الجليل سعد باشا زغلول في حفلة استقباله بالإسكندرية لدى عودته من أوربا للمرة الأولى في 4 أبريل سنة 1921، وعندما شجر الخلاف بين فريق من الأرمن والمصريين بالإسكندرية سنة 1919، واعتدى الأرمن على المصريين لقيت المدينة في شخص فضيلته عاملا كبيرا من عوامل السلام، ففاوضه زعماء الأرمن في إزالة أسباب الخلاف وفعلا تألف وفد من زعماء الفريقين برياسة فضيلته للعمل على تهدئة الخواطر، فزار كنيسة الأرمن ردا لزيارة زعمائهم منزل فضيلته، وكانت جاليتهم قد التجأت إليها بدسائس المغرضين من السياسة، فأعاد اللاجئين إلى منازلهم بعد أن تبادل الفريقان عبارات المحبة والوئام ، كما كان له الفضل العظيم في إعادة مياه الصفاء إلى مجراها بين المصريين وضيوفهم الأجانب في حوادث مايو المشئومة، فزار مع فريق من الأعيان قناصل الدول، وحادث الصحفيين منهم مؤكدا لهم عطف المصريين على ضيوفهم، فكان لمساعيه أثرها الطيب في إزالة الشقاق.

وقبيل مجيء لجنة ملنر نفته السلطة من الإسكندرية إلى عزبته بمركز فوه مع اثنين من أنجاله، كما نفت كثيرا من زعماء المصريين إلى قراهم، فقضى بها عشرة شهور، ولم يسمح لفضيلته بالعودة إلى الإسكندرية إلا عندما جاء المندوبون الأربعة لعرض مشروع ملنر على الأمة، وقد أبدى فضيلته رأيه في المشروع في اجتماع عقد بقاعة مجلس الإسكندرية البلدي، فرفض المشروع ما لم يعدل تعديلا يضمن استقلال مصر والسودان التام وإلغاء الحماية.

ولقد قدرت الأمة وطنيته وإخلاصه كما قدر الوفد ودولة رئيسه حسن بلائه في خدمة البلاد فرشحه لعضوية مجلس النواب عن دائرة أبي مندور، عندما طلب أهلها فضيلته للنيابة عنهم، وفعلا انتخب لعضوية هذه الدائرة بأغلبية ساحقة، ويعتبر فضيلته العضو الوحيد النائب عن الأزهر في مجلس النواب؛ لأنه يجمع بين عضوية المجلس ووظيفة سامية من وظائف الأزهر هي تفتيش المعاهد الدينية التي نرجو لفضيلته في خدمتها رقيا مستمرا، كما أنه يعتبر العالم الديني الوحيد الذي جاهد بقلمه جهادا صادقا في خدمة بلده بعد الأستاذ الإمام محمد عبده، وأول عالم ديني اعتقل في النهضة الوطنية، وظل فيها وفيا لها من يوم أن قامت إلى الآن معروفا بتأييده للقائمين بها، ومشهورا بإخلاصه لجلالة المليك وولائه لعرشه الكريم، وإجلاله لزعيم الأمة، ورئيس نهضتها الأمين صاحب الدولة سعد باشا زغلول.

بقلم مؤرخ الأزهر

الشيخ محمد علي القاضي الطماوي

مدرس التاريخ وآداب اللغة بالأزهر الشريف

ترجمة فضيلة الأستاذ العالم الجليل السيد أحمد رافع الطهطاوي

Bog aan la aqoon