الجهة الثانية: إننا إذا حملنا اللقاء على الرؤية كما يقولون لجاز أن يرى الله المنافقون كما في قوله تعالى: {فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه}(1) وأكثرهم لايقول بذلك، وقال تعالى: {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه}(2).
فإذا قيل بأن الضمير في الأول عائد إلى النفاق وفي الثاني إلى الكدح لا إلى الله. قلنا: وفي هذا أيضا حجة لنا على أن اللقاء اعم من أن يكون بمعنى الرؤية فإن النفاق والكدح لايريان لأنهما من الأعراض.
الجهة الثالثة: إن اللقاء المذكور في قوله تعالى: {تحيتهم يوم يلقونه سلام}(3) أي تحية المؤمنين يوم يلقون جزاءهم، وقيل هو سلام ملك الموت، وقيل هو سلام الملائكة كما قال في موضع آخر: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم}(4).
أما قوله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه...} الخ، أي ثواب ربه ذكر نفسه فأراد غيره كما قال في موضع آخر: {وجاء ربك}(5)، و{أنا ادعوكم إلى العزيز الغفار}(6) أي إلى طاعة العزيز الغفار، وقال: {إني ذاهب إلى ربي}(7) أي إلى حيث أمرني ربي، ونظائر هذا أكثر من أن تحصى.
وقد يفسر اللقاء أيضا بالانتقال إلى الدار الآخرة، لما يتحقق به من وعد الله سبحانه ويتجلى من أسرار غيبه وقد أطلق على الموت مراعاة لهذا المعنى، ويقال فيمن مات: لقي الله، وفي اللسان نقلا عن ابن الأثير في شرح حديث: (( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه )) المراد بلقاء الله المصير إلى الدار الآخرة وطلب ما عند الله(8).
Bogga 71