233

Hogaamiyeyaasha Kacaanka Casriga ah

رواد النهضة الحديثة

Noocyada

وبعد خمسين عاما شعرت نخبة من الرجال بفضل الدكتور فان ديك الغامر فاحتفلوا بيوبيل مجيئه الذهبي، وسجلوا الإقرار بفضله على رق غزال مقدرين ما صنف وألف من كتب مفيدة، أدبية وعلمية وطبية، وبما شيد من مدارس وصروح علم ونوادي خير، وتعليم فقراء ومعالجة مرضى، وما أعد للبلاد من رجال.

احتال - رحمه الله - للعلم فاقتنصه من بين مخالب الفقر وأنياب الفاقة، تعلم رغم فقر أبيه فصار الطبيب النطاسي، والعالم الناطق بعشرة ألسن، ومستشرقا كالأصيل. بل فلنقل مستعربا لأنه يعرف أسرار لغتنا كعلمائنا، وأخيرا عادى قومه وارفض عنهم لأجلها، يوم اقترح أن يكون التعليم باللغة العربية لا باللغة الإنكليزية.

جاءنا مبشرا بالفضيلة والعلم ومعلما مؤلفا المفيد النافع، فكان في سيرته النقية سفرا جليلا حيا، قرأ أسلافنا في سريرته سطور الشرق وجوامع النبل ومكارم الأخلاق، ومتى عرفت من عاشر وأحب أدركت سمو أخلاقه. كان عشيره ورفيق صباه المعلم بطرس البستاني، فوضع وإياه حجارة ضخمة في أساس نهضتنا العلمية، كانا شريكين، كل يعمل لحسابه، أو فرسين كريمين يكران مع الجديدين، بلا كلل ولا ملل.

فأينما تطلب الدكتور فان ديك كنت تجده. إن طلبته في البرية فهو كالسيد مولع بالنبات وزهور الحقل يصنفها وينظمها، فكانت له منبتة شرقية أعجب بها كبار علماء النبات. وإن تطلبه في السماء تجده يسبح بين الكواكب والنجوم في مرصد الكلية الذي أنشأه بماله؛ ليرى ويري الناس محاسن «القبة الزرقاء»، ويعلمهم أصول علم الفلك . وإن طلبته في الجبال كنت تراه بين المسطحات والمثلثات. وإن فتشت عنه بين الناشئة رأيته بينهم أبا ومعلما، يكتب لهم كتابه الشهير «النقش في الحجر»؛ لينور أذهانهم، ويؤسس لهم المدرسة الكبرى ليعلمهم، والمستشفيات ليعالجهم، ويؤدي ثمن الدواء من كيسه. كان جوادا في الإحسان حتى التبذير؛ ولذلك اشترط عليه تلاميذه ألا ينفق هديتهم المالية في سبيل البر كعادته.

وكان حلو الحديث ظريفا، ولكنه لا يتبذل. تمثل بأمثالنا، وعلم أسلافنا الحياة العملية. فكثيرا ما كان يردد: الحلاقة بالفاس ولا جميلة الناس، وكم من نكتة وملحة نادرة وفكاهة تروى عنه، فتملأ المجالس والأفواه طربا ونشاطا.

جاء فان ديك ديارنا لا يملك فلسا، ومات لا يملك إلا المآثر الطيبة، وأروعها تأسيسه الكلية الأميركية، وتأليفه أكثر من عشرين مجلدا كلها نافعة. وفان ديك - بعد البطريركية المارونية - هو أول من اختار الأرزة، فكانت شعارا للجامعة منذ نشأتها، وكان ذلك الفال مليحا، فصارت الجامعة أرزة طارت منها نسور النبوغ.

لست أذكر من قال: الرجل المثقف هو الذي يعرف شيئا عن كل شيء، وكل شيء عن شيء. بيد أني أعرف حقا أن الدكتور فان ديك كان ذلك الرجل، وهو من كبار رواد نهضتنا وأحد بناتها على الطراز الحديث.

الأب لويس شيخو

أذكر أن أول كتاب أقامني وأقعدني سرورا هو الجزء الثالث من مجاني الأدب. استحضره لي والدي من بيروت فعكفت على مطالعته برغبة ولذة، ثم جرت عجلة الأيام مسرعة، فإذا أنا في مدرسة ماريوحنا مارون أتلقى «علم الأدب» في كتاب ألفه الأب شيخو، مصنف «المجاني» في 6 أجزاء وشارحه في ثلاثة أخر.

لم يعلمنا أستاذنا من كتاب علم الأدب، غير علم المعاني والبيان والبديع المنقولة عن القدماء، أما ما بقي من الكتاب فلم يعنه أمره. وسمعنا بكتاب «شعراء النصرانية» فاستقدمناه فإذا هو لهذا العلامة الجليل، وإذا كل ما عرفناهم من شعراء جاهليين قد خرجوا من تحت سن قلمه نصارى. كان «التعميد» بالماء، فإذا به قد صار بالحبر، ولكن هذا ليس يعنينا الآن؛ فكل ما يهمني من الأب شيخو هو خطواته الواسعة الجبارة في طريق النهضة.

Bog aan la aqoon