كان معن بن زائدة يبسط مائدة كرمه للقريب والبعيد، قالوا: فى عهد دولته استرد واحد منه الفلك الدوار، وأجاز الزمان أن يسترد منه ما أعطاه، فقدم أملا فى أن ينتجع تراب طريقه، وكان يقول خفية لكل شخص غم قلبه كما كان يحكى فقره وخصاصته، ولكنه لم يجد من يداوى فقره، ففكر فى وجوب أن يمضى إلى معن بن زائدة لأن صيت كرمه قد امتد فى الأرض، وترنم العالمون بمدح جوده كأنهم حسان، وجعل الأحرار عبيدا بجوده، وأطلق من قيدهم الزمان بوثاق المحنة، وقدم إلى قيصر معن على أنه رجل سيئ الحظ وأظلمت أيام إقباله، ولو كان مضى إلى البحر سائلا لوجده جافا، ولو مضى إلى صحراء الدنيا ملتمسا الشمس ما طلعت، ولازم قصر معن مدة من الزمن، وكان لساحة قصره سعة، إلا إنها ضاقت به، وأبعده النقيب والرقيب عن باب القصر، ولم يستطع أن يعرض بضاعة حاجته التى قدم بها متألما من كنعان على كرمه مثل يوسف حتى كتب ذات يوم بيتا من الشعر على رقعة ممزقة، وطرحها فى جدول من الماء فى قصر معن، والبيت هو:
أيا جود معن ناج معنا بحاجتى
فمالى إلى معن سواك شفيع
واتفق لمعن أنه كان يتوضا على هذا الجدول، فوقعت عينه عليه فأخذها، واطلع على ما كان مكتوبا فيها، وقال: مرحبا بمن توسل إلينا بجودنا، وأمر بأن يدخلوه، وأشار إلى الخازن فقدم للسائل بدرة من الدراهم والدنانير، واستماحه المعاذير، وقال: عرفت أن ألم الانتظار يؤثر فى القلب.
شعر
ألما على معن فقولا بقبره
سقاك الغوارى مربعا ثم مربعا
فيا قبر معن أنت أول حفرة
من الأرض حطت للسماحة مضجعا
هؤلاء السادة الذين كانت لهم السمعة الحسنة
مضوا ولم يبق لهم ذكر إلا هذا الذكر
نسبه: معن بن زائدة بن مطر بن شريك بن عمرو بن قيس بن شراحيل بن مرة بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن على بن بكر بن وائل بن ساقط بن هنب بن أقصى بن دعمى بن جديكة بن أسد بن ربيعة بن نزار، وكان معن بن زائدة ملك اليمن، ومن هنا مضى إلى بغداد، وأصبح له ملك سجستان فترة من الزمن، ومن نسله كمال الدين عبد الرازق بن أحمد بن القوطى.
نسب الإمام أحمد بن حنبل: أحمد بن حنبل بن هلال بن إدريس بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مارن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن وابل بن قاسط بن نقيب من بنى ربيعة.
Bogga 87