قال أحمد: إن هذه نقطة أخرجها الفيلسوف على آراء أصحاب الرواق، وهم يرون التفريق فى طلب هذا النوع من العمل بالتحليل والتكليس جميعا فى شىء واحد ووقت واحد. فالتحليل بالماء ، والتكليس بالنار الذى هو ضد الماء. فأما ما يعتقده تلامذته، أعنى أفلاطون، فيحلون من الشىء شيئا بالرطوبة بقدر ما أمكن، ثم يحلون منه بالتكليس ما أبقاه فيه الرطوبة. ولعمرى إن مذهب الفيلسوف الموافق لأصحاب الرواق أخف على العامل وأسهل وأوفق للصواب، لأن الشىء المنتزع بالمضادين يكون أقرب إلى الاعتدال، إذ كان ما ينتزع بالشىء الواحد بالواجب أن يغلب عليه ذلك الشىء وهو متنافر لغلبة ذلك الشىء عليه.
قال أفلاطون: وليكن العامل مداخلا للعمل فى كل حالاته.
قال أحمد: إن هذا النوع من الأمر لا يقدر على امتثاله إلا الرجل الكامل البالغ من العلم. وإذا كان بالمحل الذى يصلح لما أمر به الحكيم فإنه يستغنى عن الأكثر مما دل عليه الفيلسوف وأرشد إليه، لأنه يكون إذا المتمكن من الشىء بوقوفه على ماهيته وتغييره فى أحواله، لأن الفيلسوف يقول إنه يجب على العامل أن يكون مع العمل يمسه ما مسه ويصل إليه ما يصل إليه. فإذا كان كذلك فبالجدير أن لا يغيب عنه ما يحتاج إلى معرفته.
قال أفلاطون: ولكأنى صاعد معه ومفارق.
قال أحمد: يقول كأنى مع الجزء الذى يصعد من العمل، والجزء الذى يبقى فيه، والجزء الذى يفارقه. فاعلم ماهية الكل وكميته وكيفيته.
قال أفلاطون: وهل يعتاص ذلك، إذا كان الذى يجب أن يجاوز ذلك الشىء البسيط المحتمل ذلك؟
قال أحمد: يقول إنه لا يعسر أن يقيم العامل نفسه كأنه مع العمل، إذ كان ما يحتاج أن يقيمه فيه علمه البسيط الذى يجب منه مداخلة الأشياء.
قال أفلاطون: فإذا كان النازلون على مصب ماء الفرات قد جاوزوا الأجسام الكثيفة إلى النوع البسيط بالاستعانة بحركة الأشخاص العلوية فأدركوا ماهية حركاتها التى هى أسرع الحركات، فبالواجب عليكم أن لا تعجزوا عن المطبوع المركب.
Bogga 158