قام ياسين وخديجة، فهرعا إلى الباب، ثم نفذا إلى السلم، ومضت دقيقة أو دقيقتان عادا بعدها، ياسين قابضا على يد رضوان، وخديجة دافعة أمامها عبد المنعم وهي تلكمه برحمة في ظهره، ثم تتابعت البقية مهللة: فجرت نعيمة إلى أبيها خليل، وعثمان إلى عائشة، ومحمد إلى جدته أمينة، وأحمد إلى أبيه إبراهيم، ثم جعلت خديجة تنتهر عبد المنعم، وتنذره بأنه لن يرى بيت جده مرة أخرى، حتى صاح بصوت باك، وهو يشير متهما إلى رضوان الذي جلس بين أبيه وكمال: قال إنهم أغنى منا!
فصاح رضوان محتجا: هو الذي قال لي: إنهم أغنى منا، وقال أيضا: إنهم يملكون بوابة المتولي بكنوزها!
فطيب ياسين خاطره، وهو يقول ضاحكا: اعذره يا بني، إنه مزاع مثل أمه.
فقالت خديجة لرضوان، وهي لا تتمالك نفسها من الضحك: تتشاجران على بوابة المتولي؟ عندك يا سيدي باب النصر وهي قريبة من بيت جدك، فخذها ولا تتشاجر.
فقال رضوان، وهو يهز رأسه بإباء: فيها أموات لا كنوز، فليأخذها هو.
عند ذاك علا صوت عائشة، وهي تقول برجاء وإغراء: صلوا على النبي، أمامكم فرصة نادرة كي تسمعوا نعيمة وهي تغني، ما رأيكم في هذا الاقتراح؟
فجاءها الاستحسان والتشجيع من أركان الصالة جميعا، حتى رفع خليل نعيمة بين يديه ووضعها على حجره، وهو يقول لها: «أسمعي هذا الجمهور صوتك، الله ... الله ... إياك والخجل، أنا لا أحب الخجل». ولكن نعيمة غلب عليها الخجل، فدفنت وجهها في حجر أبيها حتى لم يعد يبدو منه إلا هالة من نضار الذهب. وحانت من عائشة التفاتة، فرأت محمد وهو يحاول عبثا أن ينزع الشامة من خد جدته، فقامت إليه وعادت به إلى مجلسها رغم ممانعته، ثم واصلت تشجيع نعيمة على الغناء، وألح معها خليل حتى همست الصغيرة في أذن أبيها بأنها لن تغني إلا إذا توارت عن الأنظار وراء ظهره، فسمح لها بما أرادت، فزحفت على أربع حتى لبدت بين ظهره ومسند الكنبة. وعند ذاك شمل الصالة سكون باسم مترقب، وامتدت فترة السكوت فأوشك خليل أن يفقد صبره، ولكن صوتا رفيعا لطيفا بدأ يتكلم فيما يشبه الهمس، ثم أخذ يتشجع رويدا رويدا، حتى سرت في نبراته الحرارة فعلا مغنيا:
حود من هنا
وتعال عندنا
يا اللي أنا وأنت
Bog aan la aqoon