... فلما استحال الفعل مع وجود الجارحة، صح أن الكسب إنما يوجد بوجود الاستطاعة، لا بوجود الجارحة. ثبت أن وجود الاستطاعة، مع الفعل، وليس في عدم الجارحة، عدم الفعل. بل يمنع عدم الجارحة، عدم الاكتساب؛ لأنها إذا عدمت القدرة. فبعدم القدرة استحال الكسب، لا لعدم الجارحة. ولو كان إنما استحال الاكتساب، لعدم الجارحة، لكان إذا وجدت الجارحة، وجد الاكتساب. فلما أن كانت توجد الجارحة، ويقارنها العجز. وتعدم القدرة، فلا يكون كسبا، علم أن الاكتساب إنما يعدم لعدم الجارحة. وقد قال الله عز وجل: { ما كانوا يستطيعون السمع } قد أمروا أن يسمعوا الحق، وكلفوه. فدل ذلك على لزوم التكليف. وإن من لم يفعل الحق، ولم يسمعه، لم يكن مستطيعا على طريق القول، لم يكن له متسطيعا. وقد قال الله تعالى في قصة الخضر وموسى عليهما الصلاة السلام: { إنك لن تستطيع معي صبرا } وقد كان موسى به الجوارح، فلم يغن عنه كون الجوارح وصحتها، لعدم القدرة التي يكون بها الكسب، والاستطاعة على الشي.
... فمن قال: إن موسى كان مستطيعا، فقد كذب الخضر عليهما السلام في مقاله. والجارحة قد يرفع بها الإنسان اللقمة ليأكلها. فتذهب الاستطاعة، فلا يقدر على أكلها. فهلا نفعت الجارحة، إن كانت الاستطاعة قبل الفعل كما يقولون.
فالاستطاعة، مع الفعل للفعل، لا قبله ولا بعده، إنما هي محدثة مع الفعل، ولا هي استطاعة واحدة. ولكن استطاعات كثيرة. لكل فعل استطاعة. واستطاعة الطاعة، غير استطاعة المعصية.
... قال المؤلف: وقيل: هي واحد. في كلا القولين: إن الاستطاعة مع الفعل للفعل . وبالله التوفيق.
الباب الخامس والثمانون
في أن العبد مستطيع باستطاعة هي غيره
إن قيل: لم قلتم: إن الإنسان يستطيع باستطاعة، هي غيره؟
Bogga 70