فقالوا: ثلاثة أقانيم: أب، وابن، وروح القدس، من جوهر واحد، فجعلوا ثلاثة واحدا، وواحدا ثلاثة، فرد الله عز وجل عليهم ذلك، فقال: { ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد } .
فأما التثليث، فإن الوجه فيه أن تؤخذ علتهم التي منها اعتلوا وذهبوا إلى ذلك، فيعارضوا بما نحن واصفون.
يقال لهم: إذا أثبتم البارئ ثلاثة أقانيم أبا، وهو العالم، وابنا وهو علمه، وروحا وهي حياته، فما الفضل بينكم وبين من أثبته أربعة أقانيم: أبا وابنا وحياة وقدرة؟
فإن قالوا: إن الحياة هي القدرة، فلذلك وجب أنه ثلاثة أقانيم.
قيل لهم: فما الفضل بينكم وبين من قال: إن البارئ تعالى أقنومان، وأن العلم هي الحياة، كما قلتم: إن الحياة هي القدرة.
فإن قالوا: قد يكون الإنسان حيا، وينقص علمه، والحياة بحالها، فبطل أن تكون الحياة علما.
قيل لهم: ما الفضل بينكم وبين من زعم أن الإنسان قد يكون حيا،
وتنقصه قدرته، حتى لا يقدر أن يحمل عشرة أرطال، وتزيد قوته، حتى يقدر أن يحمل مائة رطل، والحياة بحالها، فبطل أن تكون الحياة قدرة.
فإن قالوا: قد يقال: عالم واعلم منه، ولا يقال حي وأحي منه، فبطل أن تكون الحياة علما.
قيل لهم: ما الفضل بينكم وبين من قال: قوي وأقوى منه، وقادر وأقدر منه، ولا يقال : حي وأحي منه، فبطل أن تكون الحياة قدرة.
فإن قالوا: قد يكون الإنسان حيا، ويبطل علمه أجمع، فيحال ما يغمى عليه فبطل أن تكون حياته علما.
قيل لهم: وقد يجوز أن يغمى على الإنسان، فيئول الغمى إلى أن يعديه من جميع القدرة، أو أكثرها، وهو في تلك الحالة حي، فبطل أن تكون الحياة قدرة.
فإن قالوا: لم تذهب القدرة بذهاب العلة، إلا بذهاب بعض الحياة.
قيل لهم: ما الفضل بينكم وبين من قال: لم يذهب العلم إلا بذهاب بعض الحياة، وهذا مالا فضل فيه.
Bogga 31