أقاويلَ أئمةِ الحديثِ، ونظرتُ في كتبِ مَنِ اشترطَ الصحيحَ في النقلِ منهم، ومن لم يشترطهُ، فوجدتهم أجمعوا على قبولِ الإسنادِ المعنعنِ، لا خلافَ بينهم في ذلكَ إذا جمعَ شروطًا ثلاثةً، وهي: عدالةُ المحدثينَ، ولقاءُ بعضهم بعضًا مجالسةً ومشاهدةً، وأنْ يكونوا بُرَآءً من التدليسِ - ثم قالَ -: وهو قولُ مالكٍ، وعامةِ أهلِ العلمِ». انتهى.
لكنْ نقل عن شيخِنا الحافظِ (١) برهانِ الدينِ الحلبي أنَّ ابنَ عبدِ البرِّ قال في مقدمةِ " التمهيدِ " (٢): «لا خلافَ في ذلكَ» - أي: في كونهِ متصلًا - بين أئمةِ الحديثِ.
قوله: (وادعى أبو عمرٍو الداني ...) (٣) إلى آخره، يُنظرُ كلامُ أبي عمرٍو في كتابه في " القراءاتِ "، هل الشرطُ داخلٌ في الإجماعِ، أو هوَ قَيَّدَ الإجماع من عنده؟
قوله - مستدركًا على أبي عمرٍو -: (لكنْ قد يظهر عدمُ / ١٢٩ ب / اتصاله) (٤)، أي: لا يلزمُ من كونهِ معروفًا بالروايةِ عنهُ أنْ يكونَ متصلًا؛ فإنَّ الشخصَ قد يُكثِرُ النقلَ عن شخصٍ، فيُعرفُ بالروايةِ عنهُ، ولا يكونُ اجتمعَ بهِ أصلًا، أو يكونُ اجتمعَ بهِ، ولم يسمعْ منهُ شيئًا.
قلتُ: والمسألةُ مفروضةٌ فيمن ثبتَ لقاؤهُ، وهو معَ ذلكَ غيرُ مدلسٍ، فمن رَوَى عمن لم يجتمعْ بهِ فقَدْ فَقَدَ الشرطَ الأولَ، فلم يردْ عليهِ الشقُّ الأولُ منَ الاعتراضِ، ومَن رَوَى عن مَن اجتمعَ بهِ، ولم يسمعْ منهُ شيئًا بلفظِ «عن» ونحوها كان مدلسًا، ففاتهُ الشرطُ الثاني؛ فسلمَ منَ الشقِ الثاني، وليسَ طولُ الصحبةِ شرطًا
(١) لم ترد في (ف).
(٢) التمهيد ١/ ١٢.
(٣) شرح التبصرة والتذكرة ١/ ٢٢٠.
(٤) شرح التبصرة والتذكرة ١/ ٢٢٠.