ولقد كان الولد أهلًا لما رشح إليه نبلًا وإدراكًا ورواء، فقد أتقن الخَطَّ، وحَفَظ المُنَزَّلَ، رشدًا شيئًا من العربية على انحطاطه في دركات الحداثة وخفاء مكانه للضئولة - أسمع صوتًا ولا أرى أحدًا - عهدي به يتدحرج بين يدي الوزير إلى مصلى الجُمُعة، أو يجلس كفرخ الحمام المطوَّق مخضوب الرُّجَيلة، مُشَمِّرَ الذيل، حسن القبض على المنديل والمُدْية، قد دارت العمامة منه على قمر، لا يزال في الأريكة يتوقد كالذُّبال في مشكاته نُبْلًا وهِشَّة سآَّلًا عن أعيان الوافدين مشيرًا بالأخذ لرقاع المتظلمين، ناهضًا إلى غاية النُّبل والسداد لو أن الليالي أمهلته، ورام لعظم مُنَّتِه وشدة أسره وقوة شكيمته واغتراره بمن لديه أن يُجري أمر خليفته الماضي الشَّبا، السامي العلى، البالغ بمجده وجدوده أسباب السَّما، أبي عنان ﵀ على سبيله فيحوط البيضة ويملك القلوب بالرَّهبة، ويتمسك بالأطراف النائية، والعِمَالة القاصية، ويخيف من يجاوره من الملوك المضطهدين بخليفته المصنوع له، فبادر إلى تثبيت من أسندوا إليه أمر بجَاية، ووعده إياه بالمدد، وخاف على مملكة تلمسان لِدَةِ عقيلةِ الملك الذي بيده المبرّة بخلال عظيمة الجدوى من الماء الرَّوي، ودرور رسل المَحْيَا، وكثف العمارة، وعائد الإثارة. فجهز إليها الجيش الخشن المناهز خمسة الآلاف إلى من كان بها من حاميته، وأمر عليها ابنَ عم له وزير الولد قبل عموم وزارته وفي نفسه ضَرَم، ولديه بث لكبحه إياه عن الطماح، وحمله على التطامُن له. ولما حلّ الجميع تلمسان وقد كان أهلها غلبوا عليها واستخلصوها لذهاب حرمتها، وما أوقعه رأي الخليفة الهالك من هدم سورها ومحو منعتها، فأجفلوا عنها وكان الجيش أملك بها، فحسنت المخيلة وَيَمُنَتْ النقيبة، وصدرت مخاطبته بذلك إلى الأندلس بما نصه:
1 / 63