وفي ليلة التاسع عشر من شهر ذي قعدة عام اثنين وستين وسبعمائة وقعت بأمير المغرب إبراهيم بن أمير المسلمين أبي الحسن، الدَّبرة وأخذته في مَجْثَمه الصيحة لتوفر أسباب البِغضَة، وتكاثر دواعي الخلعان، إذ كان هذا الصبي ذاهلًا عن الحزم، مثلًا في البلادة وكَلًاّ، مؤثرًا للحجبة، معوضًا للبطالة، مسلوب الغَيْرة على المال، قنوعًا من الإمرة بالاسم، مجتزئًا من انفساح الخطة بالكِسْر، كاسدَ سوقِ العطاء، معطيًا لِعِداه الضمَّة، معطلًا رسم المشورة، استقر لأول تصيُّر الأمر لأخيه أمير المؤمنين، الحية الذَّكَرْ مغرَّبًا بغرناطة دار ملك الأندلس، وهو صبي ذو وسامة، في جملة من أخوة وبني عم، ثم حركه القدر بطلب الملك، وهاجته دعوات سماسرة الفتن على نبأة هلاك أخيه، وأخذ البيعة بعده لولده الصبي الصغير بعد قتل كبيره ولي العهد بتدبير الوزير الحسن بن عمر بن يخلف العدودي في خبر طويل، فرقَّقَ هذا الأمير المستَدعى عن صبوح مغزاه لسلطانها، فلم يَشْك بثّه ولا راش عزمه توقعًا أن يُخفِقَ مسعاه فيبوءَ من وطن المغرب بإِحْنةِ تُطَوِّقُ الأندلس طوق خِزْيةٍ وتجر عليها ذيل نكيرةٍ ومعْتبةٍ مع الافتقار لمن علا هضْبتَها وتملك ناصيتها. فلما يئس من الإنجاح، وتشكَّى إلى غير المنصت عوَّل على نفسه، واقتصر على عزمه، وركب الخطر طوع همه، فخرج عن الحضرة ليلًا، على بعض مجاري الرُّحَضَاء من أسوارها في زُعْنُفَة يسرت له ذلك إشارةً واستظهارًا وانتشالًا وقوْدًا ثم وضوءًا ونضحًا، حتى استقلَّ راكبًا بظاهر البلد ولحق بقلعة يَحْصِب ثغر العدو المطل ذي الجوار المُكَتَّبْ، والعادية المشافهة، فأراح هنيهة ثم انصرف مُصحبًا إلى إشبيلة وبها ملك قشتالة يقدح زناد حرب له على عدوه من روم برشلونة، فطرح عليه نفسه، وتذمم به، وعرض عليه خطاب استدعائه ودس له المطامع المرتبطة بحصول غايته فقَبل صاغيته، وَعَصى نصحاء دينه المشيرين بتثبيطه والتثاقل عن إعانته، إذ غَرَّتهم المخيلة، وظنوا به المَضَاء كمينًا في لِفْق الوسامة، ولَىْ الأبهة، وآثروا الرضا بمكان الوليد الذي مُوِّهَ به للمسلمين، وكونُه غير مظنة للدفاع، ولا أهلٍ لاجتماع الكلمة، وجهَّز له جَفْنًا من أساطيله سُكَّيتًا من عَرَضِها بعد أن عرضَه على جبل الفتح متعلق طمعه، وحذْقِ شَرْطه، وقد دسَّ الأمير المذكور زعموا إلى من به دسيسًا في الاستبصار، فنبا عودهم عن غمزه، وانصرف الطاغية مشرقًا إلى طِيَّتِه، وقصد الفُلكُ المشحون بالأمير وبمن لف لفَّه إلى بحر المغرب يلوذ بساحله لياذ الماء بأقطار الزجاجة، ويستنجز وعود خطَّابه، فانتهى إلى مرسى مازيغان من أحواز أزمور، وأقام به شاهرًا أمره، وعارضًا وجهه، ومستنجزًا وعده، وقد كان الناس حَطَبُوا في حَبْلِ سواه، ونقروا عن غيره، وجهروا بسآمتهم من مِلْكة آل السلطان أبي الحسن، والتأم خاصتهم وعامتهم على منصور بن سليمان بن منصور بن عبد الواحد بن يعقوب بن عبد الحق، جِذْمٌ من قبيلتهم عَلِق به من تصيَّر الأمر إليه، درءٌ منذ زمن شبيبته إلى توسطه الاكتهال، دمثٌ مُتَنَزِّلٌ، مظنة ترشيح ومرمى أمل، لمكانه من البيت سيما بعد إقفاره وتداعي عمده، ولفضل شهامة كانت فيه يعارضها الجانب السَّهل والتقارب، وسبب ذلك الوزير كافل الولد المموه منه بخيال، والمُهَلِّل بآل، والمُعَيِّد بما غامر به لولا القدر الذي يُنْمِي كُلًاّ إلى حدِّه، وغايته، ويَقفُه رغم أنفه عند نهايته.
1 / 62