وفي (ح):" إذا توضأ أحدكم فليبدأ بغسل يديه، فإن الكافر يبدأ بفيه " (1) أي: يبدأ بتنظيف فمه في تنظفه، لأنه لا يتوضأ، ويحتمل المراد الكتابي فإنه ربما توضأ، وظاهر الحديث قاض بكون غسل اليدين من الوضوء، لأن البداية بالشيء بداية بجزء منه لا بشيء خارج عنه، وفيه نص على أن المقصود بالحكم اليدين، بدليل مقابلتهما بغسل الكافر فمه ابتداء، ويدل له حديث عثمان في صفة وضوئه عليه السلام، ولفظه:" كان صلى الله عليه وسلم يفرغ إذا توضأ بيده اليمنى على يده اليسرى، ثم يغسلهما إلى الكوعين، ثم يتمضمض ويستنشق ... " (2) الحديث، ومن المعلوم أن المتوضئ من الإناء لا يدخلهما فيه إلى الكوعين، فدل على توجه الحكم إلى اليدين لا إلى الماء.
ويدل له أيضا كلام الشيخ إسماعيل بعدم تقييده بالإناء، إذ لو فرضنا نجاسة اليدين لم يمتنع غمسهما في نحو نهر أو حوض لا ينجسه إلا ما غلب عليه فيستدل على أن المشروعية غسل اليدين سنة من سنن الوضوء، معقولة المعنى بما بينه الشارع عليه الصلاة والسلام من عدم دراية النائم بمبيت يده محلا وكيفا، فشرع غسلهما لتيقن البراءة من ريبة التنجس، وللخروج من شبهة الشك.
__________
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه، 3/ 369، ح (1089)، بلفظ مخالف.
(2) أخرجه أبي داود، كتاب الطهارة، باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، ص36، ح (109)
قال (المص) رحمة الله على (المسند) (1): النهي محمول عند الجمهور على الكراهة قال: وقوله: في الإناء، أي الإناء الذي عد للوضوء، فخرج بذلك البرك والحياض التي لا تفسد بغسل اليد فيها على تقدير نجاستها، فلا يتناولها النهي قوله: " حتى يغسلها ثلاثا " ظاهره أن الكراهة لا تزول إلا بغسلها ثلاثا، والسر في ذلك أن الشارع إذا غيأ حكما بواحدة لمتيقن الطهر بها، كما لا كراهة إذا تيقن طهرها ابتداء، قوله: " لأنه لا يدري " فيه أن علة النهي احتمال، هل لاقت يده ما يؤثر في الماء أو لا؟ ومقتضاه إلحاق من شك في ذلك ولإن كان مستيقظا، ومفهومه أن من درى أين باتت يده كمن لف عليها خرقة مثلا فاستيقظ وهي على حالها، أن لا كراهة وإن كان الغسل مستحبا على كل حال، قوله:" أين باتت يده " أي ولعلها باتت في محل نجس، قيل: كانوا يستجمرون وبلادهم حارة، فربما عرق أحدهم إذا نام، ويحتمل أن تطرق يده على المحل، أو على بثرة، أو دم حيوان، أو قذر، أو غير ذلك .... إلخ (2) ا ه.
__________
Bogga 39