220

إن أوقفناه عندنا في مكان وطلبنا له الحكماء نخشى (16) أن تعتقد الناس صلاحه فيقبلوا عليه ، ويصبح عندنا فتنة ، بل المصلحة أن نرسل به إلى فقهاء زبيد ، ليختبروا حاله ويأمروا فيه بما يعرفون.

فأرسل به إليهم ، فلما صار بين أيديهم تكلموا معه واختبروه ثم اختلفوا في أمره ، فقال بعضهم : هذا مرتد يقتل إن لم يتب ، وقال بعضهم : هذا مجنون يترك ، وقال بعضهم : هذا عليل يداوى ، ثم بعد ذلك أجمع أمرهم أن يطرد إلى بر العجم ، وأعلموا السلطان بذلك ، وأخرجه إلى ذلك البر ، وقد عافاه الله تعالى من ذلك الألم ، وبقي فيه منه أدنى بقية لم يصح بالكلية.

ثم بعد ذلك إني سألت أهل الخبرة بحاله ، ما السبب الذي أوجب زوال عقله؟ فقال : ما أعلم لذلك سببا إلا أنه اعتزل عن الناس واختلى بنفسه في مسجد ، وصام ولازم بعض الأذكياء ليلا ونهارا ، وعزم على أنه يقيم على ذلك / أربعين يوما ، فلم نعلم في بعض الأيام إلا وقد خرج من العزلة ، وتكلم بهذا الكلام.

فعرفت بمقالة هذا القائل أن هذا الرجل دخل الخلوة على غير أصل صحيح. فأوقعته خلوته في هذا الأمر القبيح ، ويشهد لصحة ذلك ما رواه الشيخ الإمام المحقق شهاب الدين السهروردي (17) بالإسناد الصحيح عن أبي تميم المغربي (18)

Bogga 236