Napoleon Bonaparte ee Masar
نابوليون بونابارت في مصر
Noocyada
سدني سميث الأكرم فوجهناه من لدنا بالتفويض الخاقاني، والتوقيع السلطاني، مشيرا مطلقا في تلك الديار، كما يراه بعين الاعتبار، فعليكم أن تحبوه ومهما مر عليكم من مراكبه وحاشيته، فقدموا لهم الإكرام، وحفظ الحرية والمقام، وليعلم الخاص والعام، حسن صداقته مع الإسلام، والإعانة لنا على الدوام، اعلموا ذلك واعتمدوه غاية الاعتماد والسلام. ا.ه بحروفه.
بعد أن احتل الجيش الفرنساوي ثغر حيفا استمر في طريقه حتى وصل عكا في 19 مارس سنة 1799، وكان الجزار قد تحصن فيها وقد دام الحصار الفرنساوي حولها ستين يوما كاملة، عجزت فيها الفنون العسكرية، والحيل الحربية، والتدبيرات الهندسية، والشجاعة الفردية والعمومية، عن تدويخ ذلك الحصن وإسقاطه حتى ضرب بذلك الحصار المثل في الشرق والغرب، ولا زال المصريون لهذه الساعة يقولون لمن يباهي بنفسه: «هل فتحت عكا»!
والسبب في فشل نابوليون وقواده وجيشه الباسل راجع إلى البسالة التي حاربت بها جنود الجزار، وإلى الدولة العثمانية بإرشاد إنكلترا وتحريضاتها، لم تتأخر عن إمداد حامية عكا بالقوات الكافية في الوقت المناسب، وفوق كل هذا أن قيادة وإدارة الدفاع عن المدينة كانت في أيد أوروبية لا تقل كفاءة وخبرة وعلما عن مثل ما يوجد من هذه الصفات في القوة المحاصرة، بل لقد كان تهور نابوليون، وثقته بنفسه، واعتقاده في طالع سعده، من الأسباب المهمة لفشله في إخضاع ذلك الحصن المنيع، فقد روى الكتاب الفرنساويون الذين لم تبهرهم أقوال نابوليون أن «كليبر» انتقد خطة الهجوم وأسلوب الحصار حتى لقد رووا عنه أنه قال: «إننا هاجمنا عكا على الطريقة التركية، بينما كان الدفاع عنها على الطريقة الفرنساوية.» والمراد بهذا أن خطة الهجوم كانت عن جهل وطيش، في حين أن الدفاع عن الحصن كان مرتبا منظما على القواعد العلمية.
فمن أين كان للجزار وجنوده ذلك النظام العلمي الذي صد نابوليون وأذاقه طعم أول فشل في حياته العسكرية، والجواب على هذا يقتضي التصريح بأن الدفاع عن عكا كان في يد الإنجليز تحت إرشاد السر سدني سميث، ذلك الرجل الذي قضى على نابوليون وأحلامه في الشرق؛ إذ لو تيسر لنابوليون فتح عكا، لما وقف في تيار فتوحاته في آسيا عائق، ولأدى به الحال إلى الإضرار الصحيح بمركز الدولة العلية، فقد كانت ولايات الشام والعراق والأناضول تابعة بالاسم وكثيرون من أمراء سوريا كانوا ينتظرون سقوط عكا لينضموا إلى نابوليون، كما اعترف بذلك فيما بعد الأمير بشير الشهابي كبير أمراء جبل لبنان.
8
ومن غريب الحوادث في تصاريف الإرادة الإلهية أن السر سدني سميث هذا كان مسجونا في باريس في الوقت الذي برح فيه نابوليون بحملته فرنسا قاصدا مصر، قال بوريين في مذكراته: «برحت باريس برفقة نابوليون في 3 مايو سنة 1798 «قاصدين طولون للسفر إلى مصر» وقبل هذا الموعد بعشرة أيام فقط فر أحد المسجونين في سجن التامبل
Temple
وكان ذلك الرجل هو السر سدني سميث الذي قدر أن تكون له اليد الطولى في إحباط مشروع تلك الحملة، وكان فراره بواسطة أمر مزور باسم مدير البوليس - ورقة مزورة منعت الانقلاب في الشرق.»
وكان السر سدني سميث هذا رجلا غريب الأطوار، جمع بين البسالة والإقدام والجرأة والصراحة والتهور والغرور والطيش! ولما كان الإنكليز محتلين طولون في سنة 1793 أحرق الأسطول الفرنساوي، وصادف في سنة 1796 وقوعه في يد الفرنساويين فحبسوه في ذلك السجن، وبقي سجينا فيه نحو سنتين حتى ساقت له المقادير رجلا فرنساويا اسمه فيلبيو
ساعده على الفرار بواسطة ذلك الجواز المزور، وكان فيليبو هذا مهندسا حربيا من كبار المهندسين الذين نقموا على الثورة الفرنساوية وهجر بلاده ثم عاد إليها في الوقت الذي ساعد فيها السر سدني سميث على الفرار فتوطدت بين الرجلين صداقة جمعت بينهما في الخير والشر حتى إنه جاء معه إلى عكا، وكان له الفضل الأول في تدبير الدفاع عن المدينة وإحباط كل الخطط الحربية والهندسية التي كان يديرها نابوليون وكفريللي، ولم يكن فيليبو أقل من كفريللي خصمه كفاءة، ومن غريب المقادير أن الاثنين ماتا في ذلك الحصار، الأول خارج الأسوار، والثاني داخلها! ولم يكن فيليبو غريبا عن نابوليون أيضا، فقد كان قرينه في المدرسة الحربية في باريس، وتلقى الاثنان دروسهما الرياضية على «مونج» أحد علماء البعثة العلمية في مصر، وأمضيا الامتحان معا تحت رياسة لابلاس
Bog aan la aqoon