Napoleon Bonaparte ee Masar

Axmed Xaafid Cawad d. 1369 AH
164

Napoleon Bonaparte ee Masar

نابوليون بونابارت في مصر

Noocyada

Laplace

واندمج في نفس السنة التي اندمج فيها نابوليون في الطوبجية، والآن جمعت الظروف الغريبة، حول أسوار عكا داخلا وخارجا، جميع أولئك الرجال!!

وكان للسر سدني سميث نوادر ومشاغبات مع نابوليون تظهر منها أخلاق الرجلين الذين وقف الشرق بينهما حائرا في تلك الأيام العصيبة، فمن ذلك أن السر سدني سميث علم أن أمراء جبل لبنان المسيحيين يظهرون الميل للفرنساويين، على فكرة أنهم مسيحيون مثلهم، وأنهم سيخلصونهم من مظالم الجزار وولاة الدولة العثمانية، وكان نابوليون في سوريا أمام المسيحيين يظهر المسيحية، كما كان شأنه مع المسلمين في مصر، فقد روى المؤرخون الثقات أن نابوليون بعد معركة «طابور» التي قهر فيها بأقل من ستة آلاف جندي، جيشا مؤلفا من ثلاثين ألفا من المماليك والإنكشارية والترك، سار إلى الناصرة ونزل في دير الرهبان الفرنسيسكان وطلب من رئيس الدير أن يقيم الصلاة بصفة رسمية شكرا لله على ذلك الانتصار العظيم، ودخل نابوليون الكنيسة وجثا على ركبتيه وقت الصلاة.

فلما علم السر سدني سميث بمساعدة المسيحيين للفرنساويين واغترارهم بهم، بعث لهم بمجموعة من منشورات نابوليون التي وزعها على المصريين، وخصوصا منشوره الأول الذي يقول فيه إنه هدم أركان الدين المسيحي وثل عرش البابوية، فاندهش الموريون المسيحيون، وامتنع اللبنانيون عن توريد الخمر والبارود وعن تقديم المساعدات للفرنساويين.

ولم يكتف السر سدني سميث بذلك، بل كتب أوراقا باللغة الفرنساوية ونثرها بين جنود نابوليون، وقد نشر «ميو» في مذكراته نص تلك المنشورات التي يقول لهم فيها: إنه قد سدت عليهم السبل، ولم تبق لديهم سفينة تعيدهم إلى بلادهم ، وإن من أراد منهم أن يعود إلى وطنه فإنه مستعد لنقله في السفن الإنكليزية، وإن حكومة فرنسا نفتهم إلى هذه الديار النائية لتقضي عليهم وعلى قوادهم، إلى غير ذلك من الأقوال التي يقصد بها التحريض على شق عصا الطاعة، فلما وقعت تلك الأوراق في يد نابوليون حنق على السر سدني سميث ونشر منشورا على الجند قال فيه: «لا شك أن الكومودور الإنكليزي قد أصيب بداء الجنون.» فعد السر سدني هذا القول طعنا في شخصه وكتب إلى نابوليون يطلبه إلى المبارزة!

فأجابه نابوليون جواب استهزاء واستصغار!

وللسر سدني سميث حكايات غريبة عن بسالته وإخلاصه وجرأته في حوادث هذه الحرب، وهو الذي يقال إنه أنقذ «محمد علي» من الغرق بعد واقعة أبي قير البرية، كما سنذكر ذلك في مكانه، وله رسائل موجودة باللغة العربية في تاريخ الأمير حيدر الشهابي مع الأمير بشير الشهابي يظهر منها أن أحمد باشا الجزار لم يقم للسر سدني بحق الولاء مع أنه لولاه لقضى نابوليون على سلطة الجزار في عكا وسورية، كما قضى على سلطة أخواته وأسياده مراد وإبراهيم في مصر، ولا غرابة فإن من أظهر أخلاق المماليك عدم الوفاء وقلة الإخلاص.

ولنعد إلى حصار عكا وحوادثه الغريبة فنقول: إنه إذا ضم إلى علم «فيليبو» وحسن إدارته في الدفاع، أن الإنكليز بعثوا بجنود وضباط كثيرين لتحصين المدينة، كما يظهر ذلك من أسماء الضباط الإنكليز الذين قتلوا في ذلك الحصار، وإذا ضم إلى ذلك أيضا أن المدافع التي بعث بها نابوليون من مصر في السفن وقعت في أيدي الإنكليز، واستعملت في الدفاع عن عكا، وأن نابوليون ارتكب غلطات كثيرة بشهادة الفرنساويين، وأن الدولة العثمانية في آخر وقت بعثت بالإمدادات الكثيرة، وأن الطاعون كان يفتك بالجيش الفرنساوي فتكا ذريعا، وأن الذخائر اللازمة لموالاة الحصار قد نفدت إلا قليلا - إذا ضم كل هذا إلى بعضه عرفنا كيف فشل نابوليون أمام حصن صغير كحصن عكا، فتحه بعد ثلاثة وثلاثين سنة، إبراهيم باشا بجيش من الفلاحين المصريين!

7

وعلى الرغم من الانتصار الباهر الذي ناله الفرنساويون على جيش الدولة عند جبل طابور، وعلى الرغم من تعضيدات بعض أمراء سوريا وبعض المسيحيين والدورز لنابوليون وجيشه، فقد رأى نابوليون للأسباب التي ذكرناها في الفقرة السابقة، ضرورة الانسحاب من حصار عكا والعودة إلى مصر، ولم يذكر التاريخ انسحابا مقرونا بالفشل والخسائر والمشاق، مثل انسحاب نابوليون من موسكو في الروسيا في عام 1812، ولا يزال يضرب به المثل في عظم الفشل الحربي، وكانت عودة نابوليون من سورية صورة مصغرة لذلك الانسحاب من الروسيا ... ناب في هذا العطش والقيظ والشمس المحرقة في الصحراء الفاصلة بين آسيا وإفريقيا، مناب الثلج والبرد القارس والزمهرير في روسيا! وناب الطاعون في فتكه بالجند الفرنساوي، مناب القوزاق في مطاردتهم للمنقطعين من ذلك الجيش الذي دوخ أوروبا في عدة وقائع فاخرة باهرة!

Bog aan la aqoon