248

Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar

مروج الذهب ومعادن الجوهر

ثم رجع بنا الإخبار عن مذاهب الصابئة من الحرانيين، وذكر من أخبر عن مذاهبهم وكشف عن أحوالهم. فمن ذلك كتاب رأيته لأبي بكر محمد بن زكريا الرازي الفيلسوف صاحب كتاب المنصوري في الطب وغيره، ذكر فيه مذاهب الصابف الحرانيين منهم، دون من خالفهم من الصابئة، وهم الكيماريون، وذكر أشياء يطول ذكرها ويقبح عند كثير من الناس وصفها، أعرضنا عن حكايتها، إذ كان في ذلك خروج عن حد الغرض من كتابنا إلى وصف الآراء والديانات.

وقد خاطبت مالك بن عقبون وغيره منهم بشيء مما ذكرنا وغيره عنه كتبنا، فمنهم من اعترف ببعضه، وأنكر بعضا من ذكر القرابين وغيرا من الآراء، مثل فعلهم بالثور الأسود، فإنه يضرب وجهه بالملح إذا شدت عيناه ثم يذبح، وبراعى كل عضو من أعضائه وما يظهر منه من الحركات والأختلاج على ما يدل ذلك من أحوال السنة وغير ذلك من أسرارهم ومحالاتهم وأحوال قرابينهم.

قال المسعودي: وقد ذكر جماعة - ممن له تأمل بشأن أمور هذا العالم والبحث عن أخباره - أن بأقصى بلاد الصين هيكلا مدورا له سبعة أبواب، في داخله قبة و مسبعة عظيمة الشأن عالية السمك، في أعالي القبة شبه الجوهرة يزيد على رأس العجل تضيء منه جميع أقطار ذلك الهيكل، وأن جماعة من الملوك حاولوا أخذ تلك الجوهرة فلم يدن أحد منها على مقدار عشرة أفرع إلا خر ميتا وإن حاول أحد منهم أخذ هذه الجوهرة بشيء من الآلات الطوال كالرماح وغيرها وانتهت إلى هذا المقدار من الذرع انعكست وعطلت، وإن رميت بشيء كان كذلك، فليس شيء من الحيل يؤدي إلى تناولها بوجه ولا بسبب، وإن تعرض لشيء من هدم هذا الهيكل مات من يروم ذلك وهذا عند جماعة من أهل الخبرة لقوة دافعة منفردة قد عملت من أنواع الأحجار المغناطيسية، وفي هذا الهيكل بئر مسبعة الرأس متى أكب الإنسان على رأس البئر إكبابا متمكنا تهؤر في البئر فصار في أسفلها على أم رأسه، وعلى رأس هذه البئر شبه الطوق مكتوب عليه بقلم قديم أراه بقلم المسند هذه بئر تؤدي إلى مخزن الكتب وتاريخ الدنيا وعلوم السماء وما كان فيما مضى من الدهر وما يكون فيما يأتي منه، وتؤدي هذه البئر أيضا إلى خزائن وغائب هذا العالم، لا يعمل إلى الوصول إليها والاقتباس منها إلا من وازت قدرته قدرتنا، واتصل علمه بعلمنا، وصارت حكمته كحكمتنا، فمن قدر على الوصول إلى هذا المخزن فليعلم أنه قد وازانا، ومن عجز عن الوصول إلى ما وصفنا فليعلم أنا أشد منه بأسا، وأقوى حكمة، وأكثر علما، وأثقب راية، وأتم عناية، والأرض التي عليها هذا الهيكل والقبة وفيها البئر أرض حجرية صلبة عالية من الأرض كالجبل الشامخ لا ترام قلعته ولا يتأتى نقب ما تحته، فإذا أدرك البصر ذلك الهيكل والقبة والبئر وقع للرائي عند رؤيته ذلك جزع وحزن واجتذاب للقلب إليه وحنين على إفساده وتأسف على إفساد شيء منه أو هدمه، والله أعلم بذلك.

ذكر الأخبار عن بيوت النيران وغيرها

رأيهم في النار والنور

فأما بيوت النيران ومن رسمها من ملوك الفرس الأولى والثانية فأول ما يحكى ذلك عنه أفريحون الملك، وذلك أنه وجد نارا يعظمها أهلها، وهم معتكفون على عبادتها، فسألهم عن خبرها ووجه الحكمة منهم في عبادتها، فأخبروه بأشياء اجتذبت نفسه إلى عبادتها، وأنها واسطة بين الله ؤبين خلقه، وأنها من جنس الآلهة النورية، وأشياء ذكروها أعرضنا عن ذكرها لاعتياصها، وذلك أنهم جعلوا للنور مراتب، وفرقوا بين طبع النار والنور، وأن الحيوان يجتذب فيحرق نفسه كالفراش الطائر بالليل، فما لطف يطرح نفسه في السراج فيحرقها، وغير ذلك مما يقع في صيد الليالي من الغزلان والطير والوحوش، وكظهور الحيتان من الماء إذا قربت من السراج في الزوارق، كما يصطاد ببلاد البصرة السمك في الليل يظهر من الماء طافيا حتى يقع في جوف المركب والسرج قد جعمن حواليه، وأن النور صلاح هذا العالم، وشرف النار على الظلمة ومضادته لها، ومرتبة الماء وزيادته على النار بإطفائه ومضادته لها وأنه أصل لكل حي ومبدأ لكل نام.

أماكن بيوت النيران

Bogga 267