Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar
مروج الذهب ومعادن الجوهر
وقد حكى رجل من ملكية النصارى من حران يعرف بالحارث بن شباط للصابئة الحرانيين أشياء ذكرها من قرابين يقربونها من الحيوان ودخن للكواكب يبخرون بها وغير ذلك مما امتنعنا عن ذكره مخافة التطويل. والذي بقي من هياكلهم المعظمة في هذا الوقت - وهو سنة اثنتين - ثلاثين وثلثمائة بيت لهم بمدينة حران في باب الرقة يعرف بمغليتيا، وهو هيكل آزر أبي إبراهيم الخليل عليه السلام عندهم، وللقوم في آزر وابنه إبراهيم كلام كثير ليس كتابنا هذا موضعا له، ولابن عيشون الحراني لقاضي - وكان ذا فهم ومعرفة، وتوفي بعد الثلثمائة - قصيدة طويلة يذكر فيها مذاهب الحرانيين المعروفين بالصابئة، ذكر فيها هذا البيت وما تحته من السراديب الأربعة المختلفة لأنواع صور الأصنام التي جعلت مثالا للأجسام السماوية وما ارتفع من ذلك من الأشخاص العلوية، وأسرار هذه الأصنام، وكيفية إيرادهم لأطفالهم إلى هذه السراديب وعرضهم لهم على هذه الأصنام، وما يحدث ذلك في ألوان صبيانهم من الاستحالة إلى الصفرة وغيرها لما يسمون من ظهور أنواع الأصوات وفنون اللغات من تلك الأصنام والأشخاص، بحيل قد اتخذت ومنافيخ قد عملت: تقف السدنة من وراء جمر فتتكلم بأنواع من الكلام، فتجري الأصوات في تلك المنافيخ والمخاريق والمنافذ إلى تلك الصور المجوفة والأصنام المشخصة، فيظهر منها نطق على حسب ما قد عمل في قديم الزمان، فيصطادون به العقول، وتسترق بها الرقاب، ويقام بها الملك والممالك ومما ذكر في هذه القصيدة قوله:
إن نفيس العجائب ... بيت لهم في سرادب
تعبد فيه الكواكب ... أصن أمه م خلف غائب
ولهذه الطائفة المعروفة بالحرانيين والصابئة فلاسفة، إلا أنهم من حشوية الفلاسفة، وعوأمه م مباينون لخواص حكمائهم في مذاهبهم، وإنما أضفناهم إلى الفلاسفة إضافة سبب لا إضافة حكمة، لأنهم يونانية، وليس كل اليونانيين فلاسفة، إنما الفلاسفة حكماؤهم.
ورأيت على باب مجمع الصابئة بمدينة حران مكتوبا على مدقة الباب بالسريانية قولا لأفلاطون فسره مالك بن عقبون وغيره منهم وهو من عرف ذاته تاله وقد قال أفلاطون الإنسان نبات سماوي، والدليل على هذا أنه شبيه شجرة منكوسة أصلها إلى السماء وفروعها في الأرض ولأفلاطون وغيره ممن سلك طريقه في النفس الناطقة كلام كثير في هل النفس في البدن أو البدن في النفس، كالشمس أهي في الدار أو الدار في الشمس، وهذا قول يتغلغل بنا الكلام فيه إلى الكلام في تنقل الأرواح في أنواع الصور.
القول في تنقل الأرواح
وقد تنازع أهل هذه الآراء ممن قصد هذه المقالة في النقلة على وجهين، فطائفة من الفلاسفة القدماء اليونانين والهند - ممن لم يثبت كلاما منزلا ولا نبيا مرسلا منهم أفلاطون ومن يمم طريقهم - حكى عنهم أنهم زعموا أن النفس جوهر ليست بجسم، وأنها حية عالمة مميزة لأجل ذاتها وجوهرها، وأنها هي المدبرة للأجسام المركبة من طبائع الأرض المتضادة، وعرضها في ذلك أن تقيمها على العدل وما تتم به السياسة المستقيمة والنظام المتسق وتردها من الحركة المضطربة إلى المنتظمة.
وزعموا أنها تلذ وتألم وتموت، وموتها عندهم انتقالها من جسد إلى جسد بتدبير، وبطلان ذلك الشخص الذي فسد ووصف بالموت، لأن شخصها يفسد، ولأن جوهرها ينتقل.
وزعموا أنها عالمة بذاتها وجوهرها عالمة بالمعقولات من ذاتها وجوهرها وفيها قبول علم المحسوسات من جهة الحس.
المقولأت
ولأفلاطون وغيره في هذه المعاني كلام يطول ذكره، ويعجز عن وصفه وإظهاره لاعتياصه وغموضه، وكذلك صاحب المنطق وفيثاغورس وغيرهما من الفلاسفة ممن تقدم وتأخر، لأن الطالب لعلم هذه الأشياء والإحاطة بفهمها وبلوغ غايتها لا يحرك ذلك لما نصبوا من الكتب، ورتبوا من التصنيف للعلوم المؤدية إلى معرفة علومهم وأغراضهم التي إليها قصدوا في كتبهم وهي معرفة الألفاظ الخمس، وهي: الجنس. والفصل، والنوع، والخاصة، والعرض، ثم معرفة المقولات، وهي عشرة: الجوهر، والكمية، والكيفية، والإضافة - وهي النسبة - وهذه أربع بسائط، والست الأخر مركبات، وهي: الزمان، والمكان، والجدة - وهي الملك - والوضع، والفاعل، والمنفعل، ثم ما بعد ذلك مما يترقى فيا الطالب إلى أن ينتهي إلى علم ما بعد الطبيعة من معرفة الأول والثاني.
عود إلى الكلام عن الصابئة
Bogga 266