Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar
مروج الذهب ومعادن الجوهر
وكان أوائل بلاد الإفرنجة قبل ظهور الإسلام في البحر جزيرة رودس، وهي الجزيرة التي ذكرنا أنها مقابلة للإسكندرية، وأن فيها دار صناعة المراكب في وقتنا هذا للروم، ثم جزيرة إقريطش، وقد كانت للإفرنجة أيضا ففتحها المسلمون ونزلوها إلى هذه الغاية، وكانت بلاد إفريقية وجزيرة صقلية للإفرنجة أيضا، وقد أتينا على أخبار هذه الجزائر وخبر الجزيرة المعروفة بالبركان، وهي الأطمة التي يخرج منها أجسام من النار كأجساد الناس بلا رؤوس فتعلو في الهواء بالليل، ثم تسقط في البحر فتطفو لحى الماء وهي الحجارة التي يحك بها الكتابة من الدفاتر، وهي خفاف بيض على هيئة الشهد وأكوار الزنابير الصغار، وهي الأطمة المعروفة بأطمة صقلية، وفيها قبر فرفوريس الحكيم الذي صنف كتاب إيساغوجي، وهو المدخل إلى علم المنطق، وهذا الكتاب بهذا الرجل يعرف،. وكذلك أتينا على ذكر آطام الأرض، كأطمة وادي برهوت من بلاد حضر موت وبلاد الشحر، وأطمة بلاد الزابج من بحر الصين، وأطمة بلاد أسك، وهي ما بين بلاد فارس وبلاد الأهواز من أعمال مدينة أرجان من بلاد فارس، وهذه النار ترى بالليل من نحو عشرين فرسخا، وهي مشهورة بأرض الإسلام، وتفسير أطمة هي عين النار التي تنبع من الأرض.
ولم نتعرض في هذا الكتاب لذكر الحمامات الكبريتية والزاجية، ولا الحمامات التي تظهر من مائها النار بالأطمة التي ببلاد ماسبدان من أرض أريوجان والسيروان يقال لها النومان وهي أطمة تظهر من وسط مائها النار وهي أطمة عجيبة تمنع ورود الماء عن إطفائها، وتدفعه بشدة قوتها وسلطان لهبها، وهي إحدى عجائب العالم؛ إذ كنا قد أتينا على علل جميع ذلك فيما سلف من كتبنا.
وقد أتينا على منافع أنواع المياه بجوامع ذكرناها، ولمع لوحنا بها، فيما سلف من هذا الكتاب عند ذكرنا لأرض الواحات من بلاد مصر، وإن كنا قد أتينا على مبسوط ذلك فيما تقدم من كتبنا.
ملوك الإفرنجة
قال المسعودي، ووجدت في كتاب وقع إلي بفسطاط مصر سنة ست وثلاثين وثلثمائة أهداه عرماز الأسقف بمدينة جريدة من مدن الإفرنجة في سنة ثمان وعشرين وثلثمائة إلى الحكم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم ولي عهد أبيه عبد الرحمن صاحب الأندلس في هذا الوقت في عهده: يا أمير المؤمنين، إن أول ملوك إفرنجة قلودية، وكان مجوسيا فنصرته امرأته وكان اسمها غرطلة، ثم ملك بعده ابنه لذريق، ثم ولي بعد لذريق ابنه دقشرت، ثم ولي بعده ابنه لذريق، ثم ولي أبعده قرطان ابن دقشرت، ثم ولي بعده ابنه قارله ثم ولي بعمه ابنه تبين ثم ولي بعده قارلة بن تبين وكانت ولايته ستا وعشرين سنه، وكان في أيام الحكم صاحب الأندلس، وقد تدافع أولاده ووقع الاختلاف بينهم، حتى تفانت الإفرنجة بسببهم، وصار لفريق بن قارلة صاحب ملكهم، فملك ثمانيا وعشرين سنة وستة أشهر، وهو الذي أقبل إلى طرطوشة فحاصرها، ثم ولي بعده ابنه قارلة بن لذريق وهو الذي تهادن مع محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، وكان محمد يخاطب بالإمام، وكانت ولايته تسعا وثلاثين سنة، وستة أشهر، ولي بعده ابنه لذريق ستة أعوام، ثم وثب عليه قائد الإفرنجة المسمى نوسة، وملك إفرنجة، وأقام في ملكه ثمان سنين، وهو الذي صالح المجوس على بلده سبع سنين بستمائة رطل ذهب وستمائة رطل فضة يؤديها صاحب الإفرنجة إليهم، ثم ولي بعده قارلة بن تقويرة أربع سنين، ثم ملك بعده قارلة أخر، ومكث إحدى وثلاثين سنة وثلاثة أشهر، ثم ولي بعده لذريق ابن قارلة وهو ملك إفرنجة إلى هذا - وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة - وقد استوفى في مملكته عشر سنين إلى هذا التاريخ على حسب ما نمي إلينا من خبره.
بين عبد الرحمن والجلالقة
Bogga 182