فتقول "ضرْبب"، ومثل قِمَطْر فتقول "ضِرْبٌ"، ومثل درهم فتقول "ضِرْبَبٌ"، ونحو١ تغيير التصغير والتكسير، وأشباه ذلك مما تصرف فيه الكلمة على وجوه كثيرة. وهو شبه الاشتقاق، إِلَّا أن الفرق بينهما أن الاشتقاق مختص بما فعلت العرب من ذلك، والتصريف عام لما فعلته٢ العرب، ولما نحدثه نحن بالقياس. فكل اشتقاق تصريف، وليس كل تصريف اشتقاقًا. ومما يدل على أن الاشتقاق تصريف٣ قول رؤبة، يصف امرأة بكثرة الخصومة٤:
تشتق في الباطل منها الممتذق
فإن قيل: ما نحدثه لا دليل فيه على معرفة زائد من أصلي، وإنما الدليل فيما فعلت العرب من ذلك، والذي فعلته العرب من ذلك قد زعمت أنه يسمى اشتقاقًا، فلأي شيء عددتَ، فيما يعرف به الزائد من الأصلي الاشتقاقَ والتصريف؟ وهلّا اكتفيت بأحدهما عن الآخر. فالجواب أنه إذا كان الاستدلال على الزيادة أو الأصالة، برد الفرع إلى أصله، سمي ذلك اشتقاقًا. وإذا كان الاستدلال عليهما بالفرع سمي ذلك تصريفًا.
فمثال الاستدلال، برد الفرع إلى الأصل، استدلالنا على زيادة همزة أحمر مثلًا، بأنه مأخوذ من الحمرة. فالحمرة هي الأصل الذي٥ أخذ منه أحمر. فهذا وأمثاله اشتقاقًا؛ لأنَّ المستدل على زيادة همزته -وهو أحمر- مأخوذ من "الحمرة".
ومثال الاستدلال، على الزيادة بالفرع، استدلالنا على زيادة ياء أيصَرٍ٦، بقولهم في جمعه: "إصارٌ" بحذف الياء وإثبات الهمزة. فـ"إصار" فرع عن أيصر لأنه جمعه. فهذا وأمثاله يسمى تصريفًا؛ لأنَّ المستدل على زيادة يائه -وهو أيصر- ليس بمشتق من إصار، بل إصار تصريف من تصاريفه الدالة على زيادة يائه.
واعلم أنه لا يدخل التصريف ولا الاشتقاق في الأصول المختلفة، نحو لأّال٧ ولؤلؤ؛ لا ينبغي أن يقال: "إن أحدهما من الآخر"؛ لأنَّ لأّإِلًا من تركيب "لءل" ولؤلؤًا من تركيب "لءلء". فلأّال ثلاثيّ الأصول ولؤلؤ رباعيّ.
_________
١ م: وهو.
٢ م: فعلت.
٣ م: تصرف.
٤ ديوان رؤبة ص١٠٧ والمنصف: ١: ٤ وأراجيز العرب ص٣٣. والممتذق: المخلوط. يقول: تخلط حقًّا بباطل.
٥ م: التي.
٦ م: "استدلالنا على ياء أيصر أنها زائدة". وفي حاشية ف: "الجوهري: الإصار والأيصر: حبل قصير يشد به في أسفل الخباء إلى وتد، وجمع الإصار أُصر، وجمع الأيصر أياصر. والإصار والأيصر أيضًا: الحشيش. يقال لفلان مَحشٌّ لا يجز أيصره، أي: لا يقطع". انظر الصحاح "أصر".
٧ اللأّال: بائع اللؤلؤ.
1 / 47