بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثامنة:
ألا لله الحمد كل الحمد، وعلى النبي الكريم وسائر الأنبياء والمرسلين أفضل الصلاة والتسليم. وبعد: فقد رأى النور كتابي هذا منذ ربع قرن، حين كانت المصادر الصرفية المحققة نادرة، فلقي الترحاب والاهتمام والتقدير في الأوساط العلمية، لما يمتاز به من أسلوب مشرق وعرض يسير ونفَس أندلسي لطيف، خلافًا لنظائره التي هي متون مكثفة معقدة، أو شروح على المتون تداخلت فيها الأحكام وتكررت بالتعبير الصلب العنيد.
وتوالت الطبعات من هذا الكتاب، بعون الله تعالى، منسوخة مصورة دون أن يدخلها تعديل جوهري، وأنا أرجع إليها بالمطالعة والمتابعة، أرصد ما فيها من حاجة إلى الإصدار الجديد المتقن القويم، وأجمع الملاحظات والمعلومات اللازمة لذلك. وكان في نشر المصادر الصرفية المتوالية مورد غني، أمدني بكثير من التوجيهات والأضواء الميسرة لما أتطلع إليه. أضف إلى هذا متابعتي دراسة هذا العلم وتدريسه نظريًّا وعمليًّا في الجامعات العربية وغيرها، مما يهيئ لي منافذ للوضوح والدقة والاستيعاب.
ثم جاءت البادرة الطيبة من الزملاء الكرام، المشرفين على "دار مكتبة لبنان" بالرغبة في إخراج الكتاب إخراجه لائقة به في الشكل والمضمون والتدقيق، ليصار إلى إعادة رصف حروفه وتغميره بالجودة والأناقة والغنى العلمي السديد، فكانت فرصة سائغة، يسرت لي أن أجمع شتات ما تناثر لدي من الآمال والرغبات والمراجعات، وأنصرف إلى الإخراجة القديمة المكررة، بالإغناء والتصويب والتسديد.
وأول ما شغلت به هو النصوص الملحَقة بنسخة "فيض الله"، من زيادات ابن عصفور، فقد كان صنف "الممتع" للأمير عبد الله بن عبد العزيز، في إشبيلية بين عامي ٦٢٥ و٦٢٩، في صورة مختصرة بدائية، ثم تابع إغناءه بالمواد العلمية سنة بعد سنة، يُلحقها بحواشي نسخته بخطه، حتى وافته المنية سنة ٦٩٩. وفي خلال ذلك كانت النسخ تتولد من الكتاب، وكل منها يحمل الزيادات التي سجلت آنذاك. ولذا رأينا الخلاف الكبير بين النسخ التي وصلت إلينا نماذج
1 / 5
منها أو من نصوصها، في الزيادة والنقص والتعديل والتصويب، فكان منها ما يحمل صور تطور الكتاب بين يدي مؤلفه وثقافته وعلمه.
والواقع أن أبا حيان النحوي اطلع على الصورة الأخيرة من نسخة المؤلف نفسه، وعبر عنها بالنسخة الجديدة، وأطلق عليها اسم"الممتع الكبير". ذلك لأن ابن عصفور كان قد ألحق بها عشرات وعشرات، من الأحكام والضوابط والأمثلة والتفسير والحجاج والاستدلال، وبعض الأبواب الكاملة مما يحتاج إليه الكتاب، وأجرى تعديلات في كثير من التعبير والاقتباس والإحالات، وصوب بعض الأحكام والقيود والشواهد والأمثلة، وضرب على عدد وافر من النصوص لأنها لا تفي بالمراد. وقد وقف أبو حيان على هذا كله في "الممتع الكبير"، ورأى فيه زادًا غنيًّا تفتقر إليه نسخته التي يمتلكها ويرعاها بالتسديد والعناية، فنقل تلك الزيادات والتعديلات إلى حواشي نسخته، حتى صارت نموذجًا وافيًا بالإخراجة الأخيرة للكتاب، كما أرادها ابن عصفور.
ولما حققت الكتاب في طبعاته الماضية وقفت على تلك الحواشي الغنية، وضقت بما فيها من خروم وغيمومة وتداخل، فاستقيت ما تيسر لي منها وألحقته بالنص، وأشرت إلى الباقي في التعليقات، على أمل أن أجد نسخة كاملة تحل ما في الحواشي من النقائص والصعوبات، ولكن الظروف لم تسعفني بذلك، فرجعت إلى تلك النصوص بالتتبع والتدقيق والتحليل والتركيب، مستأنسًا بالمصادر التراثية المنشورة مؤخرًا، حتى انقادت لي الجمهرة الغفيرة من الحواشي هذه، فأثبتها في مواضعها من النص، وجعلت ما تعذرت قراءته بين معقوفين للدلالة على اجتهادي، أو في عبارات مقتضبة في التعليقات. وبهذا أكون -والحمد لله- قد استوفيت الإخراجة النهائية لكتاب ابن عصفور، وأصبح النص المنشور قبل في غضون ربع قرن من الرعاية والتوجيه والتنمية قد شب عن الطوق، بعد أن كان وليدًا غرًّا، وحق لي أن أجعل اسمه في هذه الطبعة "الممتع الكبير" كما ذكر أبو حيان.
ثم رجعت إلى النص مرارًا بالقراءات المختلفة، لأتلمس مواطن القصور في الطبعات الماضية، وملامح الضعف في مظاهر التحقيق والإخراج والتيسير، فتجمع لدي ألوان غفيرة من ذلك، تقتضي التبصر والتدقيق لإجراء التعديلات اللازمة. وكان عن ذلك أن أصبح للنص توزيع جديد في بعض المواطن، يناسب الملحقات وما تخلل السياق من لفظ، يملأ صحفة أو فقرات أو أسطرًا أو عبارات أو كلمات.
ورصدت ما كان من تطبيعات وخلل في الإخراج، فقومت سبيله وخلصته من شوائبه، فإذا بي أعيد ضبط الكلمات في النثر والشعر بما يناسب الواقع الثقافي الآن، فتُثبَّت الحركات
1 / 6
اللازمة، ويُستغنى عن الفائض الذي يعرقل عمليات القراءة والإدراك والاستفادة من المضمون. وتبع ذلك اهتمام بعلامات الترقيم؛ لأنها في الحقيقة رموز لجمل تعبيرية، توجه القارئ وتساعده على الفهم الدقيق للدلالات والمقاصد، وكان من هذه العلامات تلك الآلاف من الأقواس المتلاحقة، أسقطتها من المتن مستغنيًا عنها بالإشارات البسيطة، لأزيل عن وجه الكتاب ما عقد صورته وبطأ حركة المطالعة والاستفادة، فلم أترك منها إلا النزر اليسير، مما هو ضروري لا يكون عنه عرقة ونتائج سلبية. أضف إلى هذا كله تصويب ما ند عن النساخ، من هنات وأوهام تقتضي التوجيه والتعديل والتقويم.
هذا في النص المحقق. أما متممات التحقيق فقد رجعت إليها بالإغناء والتنمية أيضًا، فيما كان من تعليقات وتوجيهات، ألقت عليها المنشورات التراثية الجديدة لمسات من التصويب والتحقيق والتوضيح، واقتضت الأوضاع الثقافية الحالية نثره في طيات المتممات. ومن ذلك تفسير ما أغفلته قبل من الغريب، كان مألوفًا لدى القراء معناه، وأصبح الآن بحاجة إلى البيان والإيضاح، والأعلام من العلماء الذين تجاوزتُ الترجمة لهم صاروا مجاهيل في ميادين الدراسة والبحث، فكان واجبًا علي أن أعرف بهم أيضًا.
بل إن الشواهد الشعرية خالطها بعض القصور والوهم، لندارة المصادر آنذاك، ثم قدمت المنشورات التراثية الجديدة وجوهًا من الدقة والصواب في ذلك السبيل، فعرفنا أصحاب بعض الأشعار الغفل، وصححنا ما كان قد نسب إلى غير صاحبه. وكذلك الإحالات التي نثرها ابن عصفور وجد كثيرًا منها مصدره الذي نقل عنه، وكان من قبل تائهًا مجهول القرار.
وفي التعليقات أيضًا، أسقطتُ كثيرًا من العبارات التي تمثل تصحيف النساخ وأوهامهم، واكتفيت ببعض النماذج، تشير إلى ما كانت عليه النسخ، مع أنها قد عورضت وصححها علماء أعلام. ثم أضفت بقية الحواشي التي ألحقها أبو حيان وغيره، وهي كثيرة جدًّا تقدم للنص خدمة كبيرة، وتطلعنا على مصادر تراثية بعضها ما زال مجهولًا. وتزودنا بالبيان والتفسير والتوجيه والتقويم.
تلك هي الصورة الجديدة لـ "الممتع الكبير" أضعها بين أيدي الدارسين والباحثين والمحققين، آملًا أن تجد لها ما يناسبها من التقدير والعناية والاهتمام، وشاكرًا للمسؤولين عن "مكتبة لبنان" هذه البادرة الطيبة، التي فتحت لي باب العودة إلى كتابي الغالي، ليكون في ثوبه التام الأنيق الرصين. والحمد لله رب العالمين.
حلب في ١٨ من رجب سنة ١٤١٤
١ من كانون الثاني سنة ١٩٩٤ الدكتور فخر الدين قباوة
1 / 7
تمهيد:
وقفت، في زيارتي لإستانبول عام ١٩٦٣، على نسخة مخطوطة من كتاب "الممتع" في مكتبة "مراد ملّا"، فثبت لديّ أن ما ذكره المؤرخون عن هذه النسخة صورة مصغرة بالميكروفيلم، على أمل أن أتابع النسخ الأخرى، في مكتبات أُخر.
وقد تبين لي بعد المراجعات المتتابعة لهذه النسخة، أنها مخرومة ناقصة، لا يمكن الاعتماد عليها، في المعرفة التامة لهذا الكتاب. ولذلك كنت أشد حرصًا على تتبع ما يمكن أن يعثر عليه من النسخ، حتى وقفت على نسخة مخطوطة في مكتبة "فيض الله"، فكانت بحقّ الضالة التي أنشدها، لما تمتاز به من تمام وتوثيق وضبط. ثم وقفت على نسخة أبي حيان "المُبدع"، فشعرت أن أصول العمل العلمي قد توافرت، فلا بد من الشروع به، ليخرج إلى محبي العربية وخدمتها، بثوب يليق به وبمؤلفه. وهأنذا أدفع به إلى المطبعة، بعد أن حمَّلته، من الجهود والعناء والصبر، ما لا يقدّره إلا الله. فهو حسبي، ونعم الوكيل.
1 / 8
ابن عصفور:
هو أبو الحسن علي بن مؤمن بن محمد بن علي بن أحمد بن محمد النحوي الحضرمي الإشبيلي. ولد في مدينة إشبيلية من بلاد الأندلس سنة ٥٩٧هـ - ١٢٠٠م، وأخذ النحو والأدب واللغة من أشهر علماء عصره هناك. ولما بلغ من العلم منزلة الأستاذية شرع يدرّس علوم العربية في إشبيلية، ثم في حواضر الأندلس مدن: شَريش ومالَقة ولُورَقة ومُرسية. وكان يملي مصنفاته من حفظه دون كتاب. وهي الشروح التي وضعها على: الجمل للزجاجي، والإيضاح لأبي علي الفارسي، والمقدمة الجُزُولية، وكتاب سيبويه ...
ثم انتقل ذكره إلى المغرب، فودع الأندلس وجاز إلى مُرّاكش، يقيم في حواضرها ويملي مصنفاته، ثم انتقل إلى تونس، حيث أكرمه أمير المؤمنين المستنصر بالله محمد بن أبي زكرياء، واصطحبه في رحلاته ومجالسه، يشجعه على الإقراء والتعليم. وقد حن إلى وطنه فعاد إلى بعض مدن الأندلس، ثم عاد إلى مُرّاكش ومنها إلى تونس، حيث أقام في عاصمتها حتى توفي سنة ٦٦٩هـ - ١٢٧٠م، ودفن في مقبرة ابن مهنّا قرب جبانة الشيخ ابن نفيس.
وقد اختُلف في سبب وفاته، والراجح ما رواه الزركشي. وهو أن ابن عصفور١ كان في مجلس السلطان آنذاك، من أحد أيام الشتاء، في رياض أبي فهر قرب الجابية الكبيرة. وهي حوض ضخم. ولما افتخر السلطان بما في مملكته من مظاهر العظمة قال ابن عصفور، يذكّره فضل العلماء في ذلك: "بنا وبأمثالنا". فغضب السلطان وأمر بعض رجاله أن يلقوه بثيابه في الجابية، ويطيلوا بقاءه فيها. وبعد خروجه منها أصابته حمى شديدة، لبث فيها ثلاثة أيام، ثم قضى نحبه. ورثاه القاضي ابن المنير ناصر الدين أحمد بن محمد المالكي المتوفى سنة ٦٨٣، ببيتين زعم فيهما أن النحو انتهى بوفاته.
وذكر في تاريخ حياته أنه كان حامل لواء العربية في عصره، وأصبر الناس على المطالعة، لا يملّ
_________
١ الفصيح في اللغة أن لفظ "عصفور" بضم العين. وحكى ابن رشيق أنها تفتح في لغة. التاج "عصفر". وانظر ص١٠٥.
1 / 9
من ذلك، وأنه لم يكن ذا ورع، وهو يرتاد مجالس الشراب ويصبغ لحيته ورأسه بالحناء. وزعم بعض المؤرخين أنه لم يكن عنده ما يؤخذ عنه غير النحو، ولا تأهل لغيره من علوم العربية. ولكن ما سنذكره، من شيوخه وتلاميذه ومصنفاته، يدل على علم بالأدب أيضًا والنقد ونظم الشعر.
فقد لازم رئيس نحاة الأندلس أبا عليّ الشلوبين عمر بن محمد الأزدي المتوفى سنة ٦٤٥، لازمه عشر سنين، وقرأ عليه كتاب سيبويه. وكان من شيوخه أيضًا المقرئ العالم باللغة والأدب أبو الحسن الدباج علي بن جابر اللخمي المتوفى سنة ٦٤٦، ومن تلاميذه أبو الفضل الصفار قاسم بن علي الأنصار البطَلْيَوسي المتوفى بعد سنة ٦٣٠، وأبو عثمان الطَّبيريّ سعيد بن حكم القرشي النحوي الأديب الشاعر الناثر الفقيه المحدث المتوفى سنة ٦٨٠، وأبو عبد الله الشلوبين الصغير محمد بن علي الأنصاري المالَقي النحوي المقرئ الذي توفي سنة ٦٧٠، وابن سعيد المدلجي أبو الحسن علي بن موسى الغرناطي الأديب المؤرخ للأدب المتوفى سنة ٦٨٥، وأبو حيان محمد بن يوسف الغرناطي النفزي، العالم المشهور في القراءة والتفسير واللغة والحديث والأصول والفروع والبلاغة والتراجم المتوفى سنة ٧٤٥.
أما مصنفاته، فما طبع منها:
١- الممتع في التصريف: حققته على نسخ خطية، ونشر سنة ١٩٧٠م، وصدر منه عدة طبعات. وقد صنف ابن عصفور هذا الكتاب مختصرًا، وقدمه إلى الأمير أبي بكر عبد الله بن أبي الأصبغ حاكم إشبيلية، ثم ألحق به زيادات كثيرة، جعلت أبا حيان يطلق عليه اسم "الممتع الكبير". وقد علق عليه ابن مالك صاحب الألفية نقودًا كثيرة، أضاف إليها أبو حيان أكثر منها، ثم اختصره في كتاب سماه "المبدع الملخص من الممتع" ونُشِرَ في الكويت سنة ١٩٨٢م، بتحقيق عبد الحميد سيد طلب.
٢- المقرَّب في النحو: حققه عبد الستار الجواري وعبد الله الجبوري، ونشر سنة ١٩٧١م. وقد ألفه ابن عصفور للأمير يحيى بن عبد الواحد الهنتاتي جد الحفصيين، ثم عاد إليه بالشرح والتفصيل في مؤلف آخر لم يتيسر له إنجازه، واستل من المقرب المُثُل والمسائل المشكلة، وشرحها مع إيراد الأمثلة الأخرى في كتاب سماه "مُثُل المقرب"، ألفه للخاصة من العلماء سنة ٦٤٧هـ. وقد حققه عبد الرحمن بن محمد العمّار، ثم أحمد حسن كحيل.
واختصر أبو حيان أصل الكتاب في مصنف اسمه "تقريب المقرب"، حققه عفيف عبد الرحمن ونشر في بيروت سنة ١٩٨٢م. ولما رأى أبو حيان غموض مختصره هذا، وعسره على الطلبة، شرحه مع تعقب لابن عصفور وتفسير لدقائقه، في كتاب سماه "التدريب في تمثيل التقريب". وروى أبو حيان مقطوعة من الشعر لابن تُولُو القرشي المتوفى سنة ٦٨٥هـ، يقرّظ بها
1 / 10
كتاب المقرب ويَمتدح ابن عصفور.
وقد شرح المقرب أيضًا كل من بهاء الدين محمد بن إبراهيم النحاس المتوفى سنة ٦٩٨، وتاج الدين أحمد بن عثمان التركماني المتوفى سنة ٧٦٨. ولتاج الدين نفسه تعليقة لطيفة على شرح ابن عصفور لكتابه "المقرب". وفي عصرنا هذا شرحه علي محمد فاخر باسم "شرح المقرب لابن عصفور"، ونشره في القاهرة سنة ١٩٩٠م. ويعمل خيري عبد الراضي عبد اللطيف في تحقيق القسم الأول من شرح ابن النحاس.
وكان قد تعقب المقرب بالنقد والتجريح كل من ابن مؤنس القابسي، وابن هشام، وابن الحاج أحمد بن محمد المتوفى سنة ٦٤٧ في كتابه "الإيرادات على المقرب"، وابن الضائع المتوفى سنة ٦٨٠، وإبراهيم بن أحمد الأنصاري الجزري في كتابه "المنهج المعرَّب في الرد على "المقرب"، وحازم القرطاجني الخزرجي المتوفى سنة ٦٨٤ في كتابه سنة ٦٨٤ في كتابه "شد الزُّنَّار على جحفلة الحمار"، والمالقي أحمد بن عبد النور المتوفى سنة ٧٠٢.
٣- الشرح الكبير: وهو أكبر شرح لابن عصفور على كتاب "الجمل في النحو" للزجاجي، يسمى "أحكام ابن عصفور". حققه صاحب أبو جناح، ونشر في بغداد سنة ١٩٨٠م. وكان أبو حيان قد اختصر هذا الكتاب. ورتبه ترتيب أبواب "المقرب" وسماه "الموفور في تحرير أحكام ابن عصفور". وقد وهم بعض المعاصرين، فظن "الموفور" اختصارًا لشرح ابن عصفور على المقرب.
٤- ضرائر الشعر: حققه السيد إبراهيم محمد، ونشر في بيروت سنة ١٩٨٠م أيضًا.
وما لم يطبع من مصنفاته، وفي المكتبات الخطية نسخ مخطوطة، من بعضه:
١- الأزهار.
٢- إنارة الدياجي.
٣- البديع: وهو شرح على المقدمة الجُزُولية التي صنفها أبو موسى عيسى بن عبد العزيز الجزولي المتوفى سنة ٦٠٧، وعرفت باسم "القانون". وهي مقدمة موجزة جدًّا في النحو، وصفها العلماء بالعسر والغرابة، وكان الجزولي نفسه قد شرحها أيضًا.
٤- سرقات الشعراء.
٥- شرح أبيات الإيضاح.
٦- شرح الأشعار الستة: وهو شرح لدواوين: امرئ القيس، والنابغة الذبياني، وزهير بن أبي
1 / 11
سلمَى، وعلقمة الفحل، وطرفة بن العبد، وعنترة بن شداد.
٧- شرح الإيضاح: والإيضاح كتاب نحوي لأبي علي الفارسي المتوفى سنة ٣٧٧، عرف باسم "الإيضاح العضدي". وفي خزانة الأدب وشرح أبيات المغني للبغدادي نُقُول من شرح ابن عصفور هذا.
٨- شرح الإيضاح الشعري.
٩- الشرح الأوسط: وهو شرح متوسط الحجم لكتاب "الجمل في النحو" للزجاجي.
١٠- شرح الحماسة: وهو شرح على "ديوان الحماسة" الذي جمعه أبو تمام حبيب بن أوس الطائي المتوفى سنة ٢٣١.
١١- شرح ديوان المتنبي: وهو شرح لشعر أبي الطيب أحمد بن الحسين المتوفى سنة ٣٥٤.
١٢- الشرح الصغير: وهو شرح موجز على "الجمل في النحو" للزجاجي.
١٣- شرح الكتاب: وكان ابن عصفور قد لزم شيخه أبا علي الشلوبين عشر سنين، قرأ عليه فيها بعض الكتب النحوية، وكتاب سيبويه المتوفى سنة ١٨٠، ثم تصدر لتدريس هذا الكتاب وإقرائه، وعلق عليه شرحًا نقل منه البغدادي بعض النصوص في "خزانة الأدب". وكان ابن الحاج أبو العباس أحمد بن محمد الإشبيلي يقول معرضًا بابن عصفور: إذا مت فعل أبو الحسن ابن عصفور في كتاب سيبويه ما أراد، فإنه لا يجد من يرده.
١٤- شرح المقدمة: وهو شرح على المقدمة النحوية التي صنفها ابن عصفور نفسه.
١٥- مختصر الغُرّة.
١٦- مختصر المحتسَب: وهو اختصار لـ "المقدمة المحتسبة" في النحو، التي ألفها ابن بابشاذ طاهر بن أحمد النحوي المتوفى سنة ٤٦٩.
١٧- مفاخرة السالف والعذار.
١٨- المفتاح.
١٩- مقدمة في النحو: وهي مصنف موجز في النحو، شرحه ابن عصفور نفسه فيما ذكرنا تحت رقم ١٤.
٢٠- مقطوعات شعرية.
1 / 12
٢١- الهلال أو الهلالية.
ونسب إليه في بعض كتب المعاصرين من المصنفات ما يلي:
١- إيضاح المشكل: وهو شرح لكتاب "المغرب في ترتيب المُعْرب"، لأبي الفتح المطرزي ناصر الدين ابن عبد السيد الخوارزمي الحنفي، المتوفى سنة ٦١٠.
٢- السلك والعنوان ومرام اللؤلؤ والعقيان: وهو أرجوزة في النحو، مع شرح لها.
٣- المقنع في النحو.
٤- منظومة في النحو: شرحها صدقة بن ناصر بن راشد الحنبلي، سنة ١٠١٦.
والناظر فيما نشر من مصنفات ابن عصفور، وعناوين ما صحت نسبته إليه مما لم ينشر، يجد نشاطًا واسعًا في دراسة النحو والصرف واللغة والأدب، وإنتاجًا أدبيًّا في النثر والشعر والرجز. ولهذا قيل عنه: إنه كان علمًا في اللغة ريّان في الأدب، في الطبقة الأولى من أعلام إشبيلية، وحامل لواء العربية في زمانه بالأندلس، وإمامًا في المغارب والمشارق، وحيث حل فعلمه نازل بالمحل الرفيع ومقابَل بالبر الفائق.
أما أعماله النحوية فكانت تسير فيما خطَّه قدماء النحاة، من مذهب التحقيق. وهو يقوم على اتخاذ سبيل بين طريقي البصرة والكوفة، لاختيار الرأي المدعوم بالدليل. فإن كان دليل الطرفين ضعيفًا، وتبدَّى للباحث ما هو أصح، بذل في المسألة اجتهاده ووضع حكمًا جديدا بعيدًا عن المذهبين. ولذا كان ابن عصفور يختار في مصنفاته ما رجحته الأدلة، من أقوال البصريين والكوفيين والبغداديين، ويضيف أحيانًا ما انفرد به هو، من الأحكام والضوابط والتعليل والتفسير.
وكان لمذهب التحقيق هذا في تاريخ النحو بذور، لدى قدماء البصريين كالمبرّد، حين تصدى للرد على مسائل من كتاب سيبويه، بما استدل به الأخفش وغيره. ثم جاء ابن كَيسانَ والزجاجي والفارسي يوسعون هذه الدائرة، عاملين بما رسمه المازني في قوله: "إذا قال العالم قولًا متقدمًا فللمتعلم الاقتداء به، والاحتجاج لقوله، والاختيار لخلافه إن وجد لذلك قياسًا". واتسعت بذلك رقعة مذهب المحقّقين في النحو لدى المتأخرين كالرضيّ وابن عصفور وابن مالك وابن هشام، حتى عبر عنه أبو حيان بوضوح في قوله: "ولسنا متعبدين باتباع مذهب البصرة، بل نتبع الدليل".
1 / 13
المصادر والمراجع:
١- ابن عصفور والتصريف لفخر الدين قباوة، بيروت ١٩٨١.
٢- أخبار التراث العربي ١٩: ١٤ و٢٨: ٢٣.
٣- اختصار القدح المُعلّى لمحمد عبد الله، القاهرة ١٩٥٩ ص٢٢ و١٥٥.
٤- أسماء الكتب لعبد اللطيف بن محمد، دمشق ١٩٨٣ ص٢٨٩.
٥- الأعلام لخير الدين الرزكلي القاهرة ١٩٥٩، ٥: ١٧٩.
٦- إيضاح المكنون لإسماعيل باشا البغدادي طهران ١٩٤٧، ١: ٥٢٧.
٧- بغية الوعاة لجلال الدين السيوطي القاهرة ١٣٢٦ ص٣٥٧.
٨- تاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان القاهرة ١٩٧٥، ٥: ٢٤٨ و٣٦٦.
٩- تتمة المختصر في أخبار البشر لابن الوردي، القاهرة ١٢٨٥، ٢: ٢٢٠.
١٠- تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية لمحمد بن إبراهيم الزركشي تونس ١٢٨٩ ص٢٩، ٣٠.
١١- الجنى الداني في حروف المعاني لابن أم قاسم المرادي، بيروت ١٩٨١ ص٢٤٤.
١٢- الذيل والتكملة لأبي عبد الله المراكشي، بيروت ٥: ٣١٣، ٤١٤.
١٣- روضات الجنات لمحمد بن باقر الموسوي سنة ١٣٤٧ ص٤٩٣.
١٤- شذرات الذهب لابن العماد، مكتبة القدسي ١٣٥١، ٥: ٣٣٠، ٣٣١.
١٥- شرح جمل الزجاجي لابن عصفور بغداد ١٩٨٠.
١٦- شرح المقرب لعلي محمد فاخر القاهرة ١٩٩٠.
١٧- صلة الصلة لأبي جعفر بن الزبير بيروت ص ١٤٢.
١٨- ضرائر الشعر لابن عصفور بيروت ١٩٨٠.
١٩- عنوان الدراية لأحمد بن أحمد الغبريني، الجزائر ١٩١٠ ص١٨٨، ١٩٠.
٢٠- فهرسة المكتبة الخديوية القاهرة ٤: ١١٣.
٢١- فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي القاهرة ١٩٥١، ٢: ١٨٤، ١٨٥.
٢٢- كشف الظنون للحاج خليفة طهران ١٩٤٧ ص٥٢٧ و٦٠٣ و١٠٤١ و١٦٢١ و١٨٠١ و١٨٠٥ و١٨٢٢.
٢٣- مجلة حوليات جامعة القديس يوسف بيروت ١٩٨٩ ص٣٢١، ٣٢٦.
٢٤- معجم المؤلفين لعمر رضا كحَّالة، بيروت ٧: ٢٥١.
٢٥- مفتاح السعادة ومصباح السيادة لطاش كبرى زاده، حيدر آباد ١٣٢٩، ١: ١١٨.
٢٦- المقرب في النحو لابن عصفور، بغداد ١٩٧١.
٢٧- الممتع في التصريف لابن عصفور، بيروت ١٩٨٧.
٢٨- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقري، بيروت ١٩٦٨، ٢: ٢٠٩ و٢٧١، ٢٧٢ و٧٠١ و٣: ١٨٤ و٤: ١٤٨ و٥: ٨٢.
٢٩- هدية العارفين لإسماعيل باشا البغدادي، طهران ١٩٤٧، ١: ٧١٢.
٣٠- الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي ١٢: ٢١٨، ٢١٩.
٣١- الوفيات لابن قنفذ، بيروت ١٩٧٢ ص٣٣١.
1 / 14
النسخ المخطوطة:
صنف أبو الحسن كتاب "الممتع" وقدمه إلى الأمير أبي بكر عبد الله بن أبي الأصبغ عبد العزيز بن صاحب الرد، وقد صرح بذلك في خطبة كتابه وأشاد بالأمير إشادة بالغة.
والمشهور أن هذا الأمير١ شاعر أديب، ذواقة لأطراف العلوم، ولّاه ابن هود على رُندة، ثم سار إلى إشبيلية، وطرد والي ابن هود واستبد بها، واتفق وابن الأحمر على ابن هود. ولكن ابن الأحمر غدر به، وقتله عام ٦٣١.
وإذا استأنسنا بحياة الأمير أبي بكر، استطعنا أن نحدد التاريخ التقريبي، لتصنيف كتاب "الممتع". فالمعروف أن ابن هود تلقب بالمتوكل على الله سنة ٦٢٥، وانفصل٢ عنه أبو بكر عام ٦٢٩، حين ثار عليه في إشبيلية وطرد واليه. ولما كان ابن عصفور يشيد بأبي بكر٣، "الذي بذل جهده في نصر هذه الدعوة النبوية، ولم يأل جهده في عضد هذه الدولة المتوكلية"، فإن من البديهي أن يكون قد صنف هذا الكتاب، خلال السنوات التي كان فيها أبو بكر مخلصًا لابن هود المتوكل على الله. وذلك بين عامي ٦٢٥ و٦٢٩.
وقد بسط ابن عصفور مسائل التصريف، في هذا الكتاب، بسطًا مُسهَبًا مدعومًا بالتعليل والتفسير والحجاج والأدلة والشواهد، فكان من أشهر كتبه، ومن أمثل كتب الصرف المطولة،٤ حتى قل أن يخلو من مسائله كتاب من كتب المتأخرين. وكان أبو حيان النحوي شديد الإعجاب به، يقدمه على ما سواه، ولا يفارقه في الحل والترحال٥؛ لأنه كما يقول٦: "أحسن ما وضع في هذا الفن ترتيبًا، وألخصة تهذيبًا، وأجمعه تقسيمًا، وأقربه تفهيمًا".
_________
١ اختصار القدح المعلى ص١١٢، ١١٣.
٢ تاريخ ابن خلدون ٤: ١٦٩.
٣ الممتع ص٢٨.
٤ مفتاح السعادة ١: ٢١٨ وكشف الظنون ص١٨٢٢.
٥ بغية الوعاة ص ٣٥٧ وشذرات الذهب ص٣٣٠، ٣٣١ ومفتاح السعادة وكشف الظنون.
٦ المبدع الورقة ٢.
1 / 15
ومن مظاهر عناية أبي حيان به أنه علق عليه تعليقات عظيمة الأهمية، ثم لخصه في كتاب سماه "المبدع في التصريف". وكان ابن مالك، صاحب الألفية، قد علق على "الممتع" نقودًا كثيرة، وقد استوفينا أكثر تعليقات ابن مالك وأبي حيان، فأثبتناه في حواشي النص إتمامًا للفائدة.
أما النسخ المخطوطة التي اعتمدتها في التحقيق فإليك وصفها١:
نسخة فيض الله "ف":
تحتفظ بها مكتبة "فيض الله" بإستانبول تحت رقم ٢٠٥٢. وهي في ٧٣ ورقة قياس ١٦×٢١ سم، وفي كل صفحة ٢٧ سطرًا، بخط مغربي جيد. ومنها صورتان مصغرتان على الميكروفيلم، في معهد المخطوطات بالجامعة العربية، تحت الرقمين ٩ و٢٠ من قسم الصرف.
على الورقة الأولى من النسخة "تصريف الأستاذ أبي الحسن بن عصفور أكرمه الله. وهو الذي سماه بالممتع في التصريف". وقُبالة ذلك: "كتبه لنفسه حسن بن محمد ... ". ويلي هذا عدة تملُّكات، انتهت بانتقال ملكية النسخة إلى شيخ الإسلام فيض الله، الذي أثبت عليها خاتمه: "وقف شيخ الإسلام السيد فيض الله أفندي -غفر الله له ولوالديه- بشرط ألا يخرج من المدرسة التي أنشأها بقسطنطينية سنة ١١١٢".
وكان أبو حيان النحوي تملك هذه النسخة، من قبل، وحملها معه إلى القاهرة، حيث قابلها قراءة بنسخة شيخه رضي الدين محمد بن علي الأنصاري الأندلسي. وقد أثبت هذه المقابلة في ختام النسخة كما يلي: "قابلت جميع هذا الكتاب مع شيخنا الإمام اللغوي الحافظ حجة العرب أوحد العصر، رضي الدين أبي عبد الله محمد بن علي بن يوسف الأنصاري الأندلسي الشاطبي. قاله كاتبه أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن حيان النفزي الأندلسي الجياني نزيل القاهرة ... ".
يضاف إلى هذا أن أبا حيان عارض قسمًا من هذا الكتاب، بنسخة بخط ابن عصفور نفسه، وصوب بعض العبارات، نقلًا من تلك النسخة. وعارض أبو حيان هذا الكتاب أيضًا بنسخ أخرى، منها:
_________
١ أشار الأستاذ عبد العزيز الميمني في مذكراته إلى نسخة مخطوطة من "الممتع" في خزانة ولي الدين بإستانبول تحت رقم ٢٠٠٤، ونقل ذلك الأستاذ الزركلي في الأعلام ١٠: ١٥٨. وقد اتصلت بالسيد مدير المكتبة السليمانية؛ لتصوير هذه النسخة فكان الجواب أن هذه الخزانة ليس فيها من الممتع شيء. وفي خزانة شيخ الإسلام عارف حكمة بالمدينة المنورة نسخة مخطوطة من "الممتع" تحت رقم ٤٨، لم يتيسر لي الوقوف عليها. انظر المقرب ١: ١٢. وفي مكتبة القرويين نسخة أخرى ...
1 / 16
١- نسخة ابن الزبير.
٢- نسخة ابن الخفاف.
٣- نسخة الخزرجي.
٤- نسخة الكرماني.
وبذلك أصبحت نسخة أبي حيان رفيعة القدر، ذات قيمة علمية منقطعة النظير، فهي تمثل أكثر من عشر نسخ قديمة، منها نسخة بخط المؤلف.
ومما يذكر ههنا أن أبا حيان، وغيره من العلماء، حلوا هذه النسخة بتعليقات على النص، بعد أن اتخذنا هذه النسخة أصلًا للتحقيق، ورمزنا إليها بالحرف "ف".
نسخة مراد ملّا "م":
تحتفظ مكتبة "مراد ملّا" في إستانبول بهذه النسخة التي تضم ٩٥ ورقة من القطع المتوسط، في كل صفحة منها ١٧ سطرًا. وفي الصففة الأولى منها: "ممتع في الصرف، تأليف الفقيه الأستاذ أبي الحسن بن عصفور من أهل مدينة إشبيلية، إمام علم العربية. ﵀ وعفا عنه". وفي الصفحة الأخيرة: "كمل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله عليه سيدنا محمد وآله، وكان الفراغ منه يوم الخميس، الخامس عشر لشهر شوال، من عام خمسة وثلاثين وسبعمائة".
وقد كُتبت هذه النسخة بخط حسن، كثر فيه الخطأ والتصحيف والتحريف، ولم تُعارَض بالأصل الذي نقلت منه. ونحن نرجح أن ذلك الأصل يرجع إلى ما هو أقدم من الأصل الذي نقلت منه نسخة "فيض الله"؛ لأن الخلافات بين النسختين أثبتت أن نسخة "فيض الله" اعتمدت أصلًا، يضم زيادات وتنقيحات وتصويبات، للمؤلف، لم تصل إلى نسخة "مراد ملّا".
نضيف إلى هذا أن نسخة "مراد ملّا" هذه قد اختُرمت نصوصها: في مواطن كثيرة،١ وبعض هذه الخروم طويل جدًّا. يستغرق صفحات، بل عشرات من الصفحات، وأظهرها سقوط بابين كبيرين، هما "باب أحكام حروف العلة الزوائد"، و"باب القلب والحذف على غير قياس". وتحت كل منهما بضعة أبواب فرعية٢. وقد حاول أحد العلماء أو النساخ أن
_________
١ انظر الورقات ٦ و٧ و٩ و١٨ و٣١ ...
٢ انظر الورقات ٤ و٦٧ ...
1 / 17
يعوّض بعض هذه الخروم، فكان في النسخة عدة مواطن، كُتبت بقلم يخالف خط الأصل١.
بيد أن هذه النسخة على رداءتها ونقصها، ساعدت في تحقيق الكتاب، فقومت بعض العبارات، وملأت بعض الثغرات المطموسة في نسخة "فيض الله"، وكان الرمز إليها بالحرف "م".
نسخة المُبدِع:
كان أبو حيان النحوي شديد الإعجاب بكتاب "الممتع" كثير الاهتمام به، حتى إنه كان لا يفارقه. وقد رأينا في وصف نسخة "فيض الله" كثرة العناية التي أولى بها أبو حيان هذا الكتاب، من مقابلته قراءة على شيخه رضي الدين الأنصاري الأندلسي، ومعارضته بالنسخ الكثيرة التي منها قطعة بخط المؤلف، وتعقبه بزيادات وشروح ونقود.
وقد توّج أبو حيان عنايته هذه، بأن لخص كتاب "الممتع" بنفسه، فاختزل عباراته، وأسقط شواهده، وما فيه من احتجاج وجدل واستطراد، وقدم وأخر في بعض مقاصده، تبعًا لتنسيقه الخاص في عرض المادة، دون أن يجري في تلك المادة تنقيحًا أو تصويبًا يذكر. وقد سمى مختصره هذا "كتاب المبدع في التصريف".
ولما كان في نسختي "فيض الله" و"مراد ملّا" خروم وتصحيفات وعبارات، غائمة أو مطموسة، فإنني استعنت بنسخة مخطوطة من كتاب "المبدع"، فعارضت بها وبما علق عليها من حواشٍ بعض المواطن من "الممتع"، لتصويب النص وإتمامه.
والنسخة التي اعتمدتها هي بخط أبي حيان. فقد جاء في آخرها: "تم كتاب المبدع، غدوة الجمعة التاسع والعشرين لشهر ربيع الأول سنة تسع وتسعين وستمائة، على يدي ملخصه أبي حيان وبخطه". وهي بخط مغربي جميل واضح، تقع في ٣٨ ورقة، وتضم الصفحة الواحدة ١٥ سطرًا. والنسخة هذه محفوظة في دار الكتب المصرية، ضمن مجموعة بخط مؤلفها، تحت الرقم ٢٤ ش٢.
تستهل هذه النسخة بالخطبة التالية: "قال أبو حيان محمد بن يوسف بن حيان: حمدًا لك اللهم على ما منحتناه وشكرا، وسترًا لما اجترحناه وغفرا، وصلاتك وسلامك على من أنزلت عليه القرآن ذكرى، وبعثته هاديًا للورى سودًا وحمرًا. وبعد فإن علم التصريف يلطف إدراكه على ذوي الأفهام، ويشرف المتحلي به على سائر الأنام، إذ هو أشرف شطري اللسان
_________
١ انظر الورقات ٤ و٥ و٦٧ ...
٢ انظر فهرست كتب دار الكتب ٢: ٦٧.
1 / 18
العربي، وأجمل ذخيرة الفاضل النحوي، ولغموضه قل فيه التصنيف والخلاف، ولم تتوارد عليه الأفهام فيكثر فيه الاختلاف. وليس كعلم الإعراب الذي ازدحم على منهله الوارد، وترنقت بعد صفوها منه الموارد، فلا يتميز فيه الفاضل إلا عند أفراد الرجال، ولا يظهر فيه السابق إلا عند ضيق المجال. وما أحد ممن نظر في الإعراب أدنى نظر إلا وهو مدعٍ فيه، وموهم الأغمار أنه يحسنه ويدريه.
ولقد أخذنا هذا الفن، بعد أخذ علم الإعراب، عن أستاذنا أبي جعفر ابن الزبير، وتلقناه من فيه لا من كتاب، حفظًا وعرضًا ونقلناه عنه شفاهًا رطبًا غضًّا، في مدة شهور يُدِرّ بنا في مسالكه الصعاب، ويوغل بنا في أبعد المذاهب وأشغب الشعاب، إلى أن امتطيناه ذلولًا، وهبت لنا زعزعه قبولًا، وجنبناه سلس القياد، وإن كان أبيًّا، واقتدْناه طوع المراد، وإن كان عصيًّا.
ولما كان كتاب "الممتع" أحسن ما وضع في هذا الفن ترتيبًا، وألخصه تهذيبًا، وأجمعه تقيسمًا، وأقربه تفهيمًا، قصدنا في هذه الأوراق ذكر ما تضمنه من الأحكام بألخص عبارة وأبدع إشارة، ليشرف الناظر فيه على معظمه في أقرب زمان، ويسرّح بصيرته في عقائل حسان. وسميته بالمبدع الملخص من الممتع، ولم أتعرض للتنبيه على ما فيه من الاعتراض، بل أبرزته بين المغضي عنه والراض. وإن فسح الله لي في العمر، وساعدني سابق القدر، وضعت في علم التصريف ما أنا له آمل، وعلى تحصيل مواده من قديم الزمان عامل. والله يبلغنا فيما أملنا من ذلك الأمنية، ويخلص لنا في العلم والعمل النية. لا مرجو إلا ثوابه، ولا محذور إلا عقابه".
وإذا أردنا أن نتبين الصورة التقريبية لعمل أبي حيان في ملخصه، فحسبنا أن نعارض باب "التمثيل" في الممتع، بما يقابله في المبدع. وهو قول أبي حيان١: "التمثيل: تقابل الأصول بالفاء والعين واللام، فإن لم تفن الأصول كررت اللام حتى تفنى. والزوائد إن لم تتكرر من لفظ الأصل بقيت في المثال، أو تكررت وزنْتَها بالحرف الموزون به الأصل. وزعم الكوفيون أن نهاية الأصول ثلاثة، فما زاد من رباعي أو خماسي فزائد. وذهب الكسائي إلى أن الزائد في الرباعي ما قبل الآخر. واختلفوا؛ فمنهم من لا يزن الكلمة، ومنهم من يزن ويُبقى الزائد في المثال".
_________
١ المبدع الورقة ١٥.
1 / 19
منهج التحقيق:
اعتمدت نسخة "فيض الله" من الممتع، فرمزت إليها بحرف "ف" وجعلتها أصلًا للنص، ثم عارضت النص بنسخة "مراد ملّا" التي رمزت إليها بحرف "م"، مستعينًا بنسخة أبي حيان من "المبدع"، في تصويب بعض العبارات وإتمامها. وقد ذيلت النص بما يلي:
١- إثبات الخلاف بين النسخ.
٢- تفسير المفردات الغربية.
٣- التعريف ببعض الأعلام.
٤- ذكر أسماء المصادر التي استقى منها المؤلف في كل قسم أو باب أو مسألة.
٥- إثبات أسماء المصادر التي عرضت لما بسطه ابن عصفور.
٦- تخريج الشواهد القرآنية، والشعرية، والنثرية من حديث أو أثر، مع إتمام البيت الشعري بزيادة بين معقوفين.
٧- إثبات ما لم يُخترم من حواشي نسخة "فيض الله" التي علقها أبو حيان النحوي أو غيره.
حلب ١٥/ ٨/ ١٩٦٨م
٢١/ ٥/ ١٣٨٨هـ
الدكتور فخر الدين قباوة
1 / 20
من نسخة فيض الله "ف"
1 / 21
من نسخة فيض الله "ف"
1 / 22
من نسخة مراد ملا "م"
1 / 23
من نسخة المبدع
1 / 24