Mukhtasar Sawaciq Mursala
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
Baare
سيد إبراهيم
Daabacaha
دار الحديث
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
Goobta Daabacaadda
القاهرة - مصر
Noocyada
كَانَ النَّقْلُ لَا يُفِيدُ يَقِينًا لَمْ يَكُنْ فِي الْأُمَّةِ مَنْ يُوقِنُ بِالْآخِرَةِ، إِذِ الْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِيهَا، وَكَفَى بِهَذَا بُطْلَانًا وَفَسَادًا.
وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَكْتَفِ مِنْ عِبَادِهِ بِالظَّنِّ بَلْ أَمَرَهُمْ بِالْعِلْمِ كَقَوْلِهِ: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمد: ١٩] وَقَوْلِهِ: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٩٨] وَقَوْلِهِ: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾ [البقرة: ٢٢٣] وَنَظَائِرُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ اتِّبَاعُ الظَّنِّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لِلْحَاجَةِ، كَحَادِثَةٍ يَخْفَى عَلَى الْمُجْتَهِدِ حُكْمُهَا، أَوْ فِي الْأُمُورِ الْجُزْئِيَّةِ كَتَقْوِيمِ السِّلَعِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا مَا بَيَّنَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ فَمَنْ لَمْ يَتَيَقَّنْهُ بَلْ ظَنَّهُ ظَنًّا، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْوَعِيدِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، فَلَوْ كَانَتِ الْأَدِلَّةُ اللَّفْظِيَّةُ لَا تُفِيدُ الْيَقِينَ لَكَانَ مَا بَيَّنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَمْ يَتَيَقَّنْهُ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَّةِ.
الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ: قَوْلُهُ: إِنَّ الْعِلْمَ بِمَدْلُولِ الْأَدِلَّةِ اللَّفْظِيَّةِ مَوْقُوفٌ عَلَى نَقْلِ اللُّغَةِ، كَلَامٌ ظَاهِرُ الْبَطَلَانِ، فَإِنَّ دِلَالَةَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَلَى مَعَانِيهَا مِنْ جِنْسِ دِلَالَةِ لُغَةِ كُلِّ قَوْمٍ عَلَى مَا يَعْرِفُونَهُ وَيَعْتَادُونَهُ مِنْ تِلْكَ اللُّغَةِ، وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالْعَرَبِ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ لِجَمِيعِ بَنِي آدَمَ، إِنَّمَا يَتَوَقَّفُ الْعِلْمُ بِمَدْلُولِ أَلْفَاظِهِمْ عَلَى كَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ اللُّغَةِ الَّتِي وَقَعَ بَيْنَهُمْ بِهَا التَّخَاطُبُ، وَلِهَذَا لَمْ يُرْسِلِ اللَّهُ رَسُولًا إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ، فَتَقُومُ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ بِمَا فَهِمُوهُ مِنْ خِطَابِهِ لَهُمْ، فَدِلَالَةُ اللَّفْظِ هِيَ الْعِلْمُ بِقَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ. وَيُرَادُ بِالدِّلَالَةِ أَمْرَانِ: فِعْلُ الدَّالِّ، وَكَوْنُ اللَّفْظِ بِحَيْثُ يُفْهِمُ مَعْنًى، وَلِهَذَا يَقُولُ دَلَّهُ بِكَلَامِهِ دِلَالَةً، وَدَلَّ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا دِلَالَةً، فَالْمُتَكَلِّمُ دَالٌّ بِكَلَامِهِ، وَكَلَامُهُ دَالٌّ بِنِظَامِهِ، وَذَلِكَ يُعْرَفُ مِنْ عَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ فِي أَلْفَاظِهِ، فَإِذَا كَانَتْ عَادَتُهُ أَنَّهُ يَعْنِي بِهَذَا اللَّفْظِ هَذَا الْمَعْنَى، عَلِمْنَا مَتَى خَاطَبَنَا بِهِ أَنَّهُ أَرَادَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ مَبْنَاهَا عَلَى عَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ الَّتِي يَقْصِدُهَا بِأَلْفَاظِهِ، وَكَذَا عَلَى مُرَادِهِ بِلُغَتِهِ الَّتِي عَادَتُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا، فَإِذَا عَرَفَ السَّامِعُ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَعَرَفَ أَنَّ عَادَةَ الْمُتَكَلِّمِ إِذَا تَكَلَّمَ بِذَلِكَ اللَّفْظِ أَنْ يَقْصِدَهُ، عَلِمَ أَنَّهُ مُرَادُهُ قَطْعًا، وَإِلَّا لَمْ يُعْلَمْ مُرَادُ مُتَكَلِّمٍ أَبَدًا، وَهُوَ مُحَالٌ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إِذَا كَانَ قَصْدُهُ إِفْهَامَ الْمُخَاطَبِينَ كَلَامَهُ وَعَلِمَ الْمُخَاطَبُ السَّامِعُ الْيَقِينَ بِمُرَادِهِ، وَلَمْ يَشُكَّ فِيهِ، وَلَوْ تَخَلَّفَ عَنْهُ الْعِلْمُ لَكَانَ ذَلِكَ قَادِحًا فِي أَحَدِ
1 / 100