قال: وقد مضى ذكر شهاب الدين محمود بن تكش الحارمي خال السلطان وصهره ومرضه عند نزول الفرنج على حماه وقد مرض أيضا ولده الأمير تكش وهو شاب في ريعان أيامه وعنفوان حسنه وإحسانه فمات يوم الأربعاء سابع جمادى الآخرة ومات شهاب الدين يوم الأحد بعده بثلاثة أيام وانتقلا إلى جوار الواحد الأحد وافق ذلك وقت وقعة الرملة فأصيب السلطان في الشام بخاله وابن أخته منه وكان هذا شهرا طويلا أورث عويلا وحزنا طويلا، وسلم السلطان إلى القضاء الله وقدره وعلم أن كل صفو مردف بكدره فانفق أموالا استوعبت الآمال، وأعادت بعد الاعوجاج والاعتلال الصحة والاعتدال فشد الرحال وعزم الترحال.
ذكر الخروج من القاهرة والتوجه إلى بلاد الشام
قال: وخرجنا لقصد الشام من القاهرة يوم السبت السادس والعشرين ورحلنا بالخميس بعد صلاة عيد الفطر يوم الخميس. وكان الخبر قد وصل بان الفرنج حين انفصلوا عن حماه نزلوا على حارم فحث السلطان العزايم سابع الشهر وقطعنا عقبة ليله يوم السبت العاشر واروينا الخوامس والعواشر وهناك على الساحل يحفر الرمل فيخرج الماء العد العذب ويروى منه الركب وتحمله الصحب. وههنا سألني السلطان أن اعمل أبياتا خفيفة لطيفة يكتب بها إلى أخيه بدمشق فارتجلت.
الشوق ابرح ما يكون ... إذا دنا أمد اللقاء
وتزيل أيام التداني ... جور أيام التنائي
العبد يخدم بالسلام ... وبالتحية والدعاء
للسيد الملك العظيم ... ذي الجلالة والعلاء
قال: وكنا سايرين في رفقة من أهل الأدب فعبر بنا مرموق في صورة ملك اسمه شاه ملك فاقترح على لغزفي اسمه فارتجلت. اسم محبوبي سد أسى إذا سقط=الثلث فعكس الكلمة
وإذا قدم ثاني شطره فهو ... سلطان لنا ذو عظمة
عربي عجمي نصفه كله ... معنى لمن قد فهمه
قال: وإنما أوردت هذه اللمعة لأعلم إني في ظعني وإقامتي ما خلوت ممن يقترح زناد قريحتي ويقترح ما ينشره من فضلتي.
قال: وما زلنا نسير حتى وصلنا إلى دمشق يوم السبت الرابع والعشرين من شوال فاستقبلنا أهلها بنعم ذات نوال، وامددنا من فواكهها برخايص وغوال وجددنا العهد يلقيا أصدقائنا من أديب ولبيب وطبيب وأمين وأمير ووال قال:
تذكرت في جلق داركم بمصر ... فيها بعد ما بيننا
وما أتمنى سوى قربكم ... وذلك والله كل المنى
(١٩١ب) كتاب فاضلي إلى السلطان
ورد على الملوك أدام الله أيام المجلس العالي الملكي الناصري ونصره على أعدائه، وملكه أرضه بعدل حكم سمائه، ولا اخلي من نعمتي نظره وخيره قلوب وعيون أوليائه، واعز الإسلام ورفع عن أهله البلوى بلوائه. الكتب الكريمة التي تسر الناظرين بشعارها الأصفر وتبشر الأولياء إن كانوا غايبين مع الغيب بان خطهم حاضر مع الحضر.
وقد كانت الفترة قد طالت أيامها واستطاعت آلامها، والطرقات التي سبق إلى الأنفس اتهامها (الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن) وأولى من النعمة ما اشترى الحمد عنا بلا ثمن، وذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، ووعده سبحانه منتظر إذ يقول في كتابه (وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا وصدق ﷺ واله في قوله: أم اختيار الله للمؤمن خير من اختياره، وان مواقع أمله خير منها مواقع امضية الله وأقداره.
فقد كانت حركة احتاجت إليها البلاد التي انفصل عنها، والبلاد التي قدم عليها أما المصرية فبكونها على عدة من نجدته آجلا، وأما الشامية فبكونها على تقدة من نصره عاجلا فقد تماسكت من المسلمين الأرماق وقد انقطعت عن المشركين الأعناق.
تهاب بك البلاد تحل فيها ... ولولا الليث ما خيف العرين
وعرض المملوك جميع ما وصل إليه من مكاتبات المولى على العلم العادلي، فأدركها تحصيلا وأحاط بها جملة وتفصيلا. والمولى خلد الله ملكه فكل ما أشار إليه من عزيمة أبداها ونية أمضاها فهو الصواب الذي أوضح الله مسالكه، والتوفيق الذي قرب الله مداركه ومن أطاع الله أطاعه كل شيء ومن استخاره بين الرشد من الغي فالله يجعله من كل حادثة بنجوة ويكتب أجره في كل حركة ونفس وخطوة.
1 / 57