ووجد مسها، وكل ذلك عرفت، إذا كنت في طراءة الصبا وأوائل الشباب، تستهويني هذا الأضاليل، وتتلعب كتلعب الأفعال بالأسماء، على ما قال أبو تمام، وأحسب أن كثيرًا من أبناء جيلي قد وقعوا في هذا المهوى السحيق.
وكان أكثر هذه الأصوات دويا، وأشدها فتكا، تلك التي انبعثت من داخل درس الأدب في جامعاتنا العربية. فمن خلال الثرثرة حول نظريات غربية في الأدب، وتطويع الأدب العربي، وإخضاعه لها، وتطاير شرر كثيرة، حاول أن يأتي على تراث عربي عريق للكلمة العربية؛ شعرًا منظومًا حمل أنغامًا جليلة، وكلامًا منثورًا أبان عن أدق أسرار النفس وخلجات الروح.
ثم كان أن غرق طلبة العلم في قضايا فارغة، بدءًا من الوحدة الموضوعية والمعاناة، والتجربة الشعرية، وتراسلا الحواس، والمونولوج الداخلي، والدفقة الشعورية، والتعبير بالصورة، والألفاظ الموحية، والشعر المهموس (١)، وأدب الفرض والعبث، وانتهاءً بالحداثة والمعاصرة، التي تشغل بالهم هذه الأيام.
وكانت المحنة فيما أثير حول "الرمز" في الأدب، الذي ألقى سدولًا كثيفة كئيبة على البين الذي هو أشرف ما وهبه الله للإنسان، وخضع النص الأدبي تحليلًا ودرسًا لتلك الرموز" اليونانية المتمرغة في أوحال الأساطير، وهي رموز وثنية المنابت والأصول تجعل الحياة البشرية
_________
(١) يقول الدكتور عبده بدوي: "لقد أسلمنا " الشعر المهموس " إلى الشعر المكبوت، بحيث تحول الشعر في جانب منه إلى تخرصات وأوهام وتنهدات، وهذيان حواس، وسيولة لفظية وفكرية معًا". مقدمة كتاب دراسات في النص الشعري.
1 / 9