أن علماءنا الأوائل، ﵏ ورضي عنهم، لم يكونوا يعبثون حين يتوفرون على الفن الواحد، من فنون التراث، فيكثرون فيه التأليف والتصنيف، ويدخل الخالف منهم على السالف.
ونعم، قد تجمع بعضهم جامعة المنزع والمنهج العام، ولكن يبقى لكل منهم مذاقه ومشربه، كالذي تراه من اجتماع أبي جعفر الطبري، وعماد الدين بن كثير، على تفسير القرآن الكريم بالمأثور، وافتراقهما في أسلوب التناول ومنهج العرض.
ولم يكن النحاة يعانون من الفراغ، أو قلة الزاد، حين عكفوا على كتاب مثل "الجمل" لأبي القاسم الزجاجي، فوضعوا له مائة وعشرين شرحًا (١) .
ومن الغريب حقًاَ إننا لا نجد باسًا أن يكثر الدارسون المحدثون من التأليف في الفن الواحد، كتبًا ذاهبة في الكثرة والسعة، كالذي تراه من التأليف في فنون الشعر والقصة والمسرح، ثم نحجر على أسلافنا، ونعيب عليهم من ذلك، ثم ننعتهم بالثرثرة والدوران حول أنفسهم! ولكنها آفة الذين يلتمسون المعابة لأسلافهم بالظن الخادع، والوهم الكذوب.
وإنه الحق أن بعض ما تركه الأوائل، منتزع من جهود سابقة، وتعد إضافته إلى الفن إضافة محدودة، ولكن مثل ذلك معروف مسطور، ومدلول عليه أيضًا بكلام الأوائل أنفسهم، وأكثر ما ترى ذلك في
_________
(١) ...
1 / 32