ولما قارب حلب رحل أخوه تاج الدولة - كما ذكرنا - على البريّة، ومعه الأمير أرتق، وكان أشار أرتق على تاج الدولة أن يكبس السلطان، وكانوا قد وصلوا، وبهم وبدوابهم من التعب ما لم يبق معه امتناع، ولو فعل لظفر بهم؛ فقال تاج الدولة: «لا أكسر جاه أخى الذى أنا مستظل بظله، فإنه يعود علىّ بالوهن أولا». وسار إلى دمشق.
ولما وصل السلطان إلى حلب تسلم المدينة، وسلم إليه شمس الدولة سالم ابن مالك (١) بن بدران القلعة على أن يعوّضه عنها قلعة جعبر، وكان قد امتنع بالقلعة أولا [١٠] فأمر السلطان أن يرمى إليه بالنشاب رشقا واحدا، فرمى الجيش كله عن يد واحدة، فكادت الشمس أن تحتجب من كثرة النشاب فعوضه السلطان عنها قلعة جعبر، ولم تزل بيده ويد أولاده إلى أن أخذها منهم الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى (٢) ﵏ على ما سنذكره.
وأرسل الأمير نصر (٣) بن على بن منقذ الكنائى - صاحب شيزر - إلى السلطان، ودخل في طاعته، وسلم إليه اللاذقية، وكفرطاب، وفامية، [فأجابه إلى المسالمة، وترك قصده، وأقرّ عليه شبزر (٤)].
_________
(١) في الأصل «مالك بن سالم»، والتصحيح عن ابن الأثير و(Zambaur: Op .Cit . P. ١٣٥).
(٢) ولى شمس الدولة سالم بن مالك بن بدران العقيلى قلعة جعبر من سنة ٤٧٩ إلى ٥١٩، ثم وليها من بعده شهاب الدولة مالك بن على بن سالم إلى سنة ٥٦٤ حيث ملكها نور الدين محمود، أنظر: (Zambaur: Op .Cit . P. ١٣٥).
(٣) في الأصل: «نصير» وهو الأمير عز الدولة أبو مرهف نصر بن على بن نصر بن منقذ (Zambaur: Op .Cit . P. ١٠٤).
(٤) ما بين الحاصرتين زيادة عن ابن الأثير للايضاح، وقد أسقطها المؤلف عند الاختصار، هذا وفى ابن الأثير فقرة أخرى - أسقطها المؤلف أيضا - تشير إلى مصير ابن الحتيتى، وقد آثرنا ذكرها هنا لتتم الفائدة، قال: «وأما ابن الحتيتى فكان واثقا باحسان السلطان ونظام الملك اليه، فانه استدعاهما، فلما ملك السلطان البلد طلب أهله أن يعفيهم من ابن الحتيتى، فأجابهم إلى ذلك واستصحبه معه، وأرسله إلى ديار بكر، فافتقر وتوفى بها على حال شديدة من الفقر، وقتل ولده بأنطاكية، قتله الفرنج لما ملكوها».
1 / 18