Aasaasaha Masar Casriga
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Noocyada
8
وفي سنة 1835م تكررت هذه الإجراءات وأشباهها، وكانت مصحوبة بنفس المقاومة السلبية، ففي بيروت أحاطت السلطات بالمساجد وألقت القبض على الذكور اللائقين للخدمة العسكرية، وفي حلب أغلقت المساجد والدكاكين ووقف دولاب التجارة حتى تعذر الحصول على الخبز واللحم وغيرها من أنواع التغذية مدة يومين كاملين، وإذ ذاك أخذ كثير من الناس يفرون إلى القرى الواقعة في سفح جبال طوروس، بينما لجأ آخرون إلى التزيي بزي النساء، وتمكنوا بهذه الطريقة من اجتياز الحدود إلى أراضي السلطان، ولشد ما كانت خيبة آمالهم عندما أبصروا أن السلطان محمودا كان يحتذي حذو محمد علي في جمع الأنفار، وأنه كان ينفذ الخدمة الإجبارية بمنتهى الصرامة والقسوة.
ولقد بولغ في رواية هذه الحوادث أشد مبالغة أدت إلى أن تعلق عليها الصحف والدوائر السياسية تعليقات ملؤها السخط والاشمئزاز، وقد أصدرت إلى كامبل تعليمات بأن يبلغ محمد علي بصفة خصوصية غير رسمية بأنه إن كان يرغب في التجنيد الإجباري حقيقة، فلا أقل من أن توضع أسماء الأشخاص اللائقين في جداول منظمة، وأن ينفذ المشروع بطريقة نظامية لا أن يخطف الناس من الطريق خطفا بالقوة العسكرية وبدون تمييز بين اللائق منهم للخدمة وغير اللائق، كما يحدث عندما يراد اقتناص عدد من الحيوانات البرية أو قطيع من المواشي في الصحراء.
9
على أن هذا الشعور الإنساني ما لبث أن خفف لتأييده في نواح معينة بعض الصوالح الخاصة.
وكان يوجد أحيانا ما يسوغ ذلك العطف والتأييد، مثال ذلك ما حدث في سنة 1835م عندما قبض الجنود في بيروت على بعض أشخاص في خدمة القنصليات؛ ففي هذه المناسبة أوفد محمد علي الكولونيل سيف «سليمان باشا» بعمل تحقيق خاص في الموضوع، وطلب إلى قناصل الدول العموميين في الإسكندرية أن يختاروا مندوبا لمرافقة سليمان باشا،
10
وأحيانا كنت ترى بالمرستون يقوم ويقعد ويرغي ويزبد عند سماعه أنباء غير حقيقية تفتقر إلى إثبات، مثال ذلك أنه علم في سنة 1835م بأن المسيحيين جندوا كأنفار، فكتب من فوره إلى كامبل يقول: «إن لأوروبا الحق في أن ترجو معافاة المسيحيين التابعين للباب العالي، والذين يسكنون الأقطار التي عهد بها السلطان في الوقت الحاضر إلى حكم محمد علي من ذلك التجنيد الجديد الذي يخيل إلى الباشا أنه يستطيع أن يرهق به السكان المسلمين الذين عهد إليه بالمحافظة على صوالحهم والسهر على رخائهم ويسرهم.»
11
ولكن كامبل تغافل عن هذا التهكم اللاذع، وراح يؤكد لرئيسه أن مسيحيا واحدا لم يطبق عليه نظام الخدمة الإجبارية؛ فلقد قام أخيرا برحلة طاف فيها أنحاء سوريا، فلقي كثيرين من الحجاج وقد وشموا الصلبان على سواعدهم، فلما سألهم عن السر في ذلك أخبروه أن الوشم عادة شائعة لا تنحصر مزيتها في تمييز المسيحيين من المسلمين، بل إنها تحميهم من التجنيد الإجباري.
Bog aan la aqoon