101

Aasaasaha Masar Casriga

الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة

Noocyada

12

على أنه لو كان للمبادئ الإنسانية والعواطف المسيحية دخل في تذمر الدول العظمى، وبخاصة بريطانيا، من عملية التجنيد الإجباري في سوريا فإن الاعتبارات السياسية جعلت للمسألة خطورة مزعجة؛ ذلك لأن نشوب الحرب بين السلطان والباشا كان نذيرا بظهور الروس من جديد على المسرح السياسي وتعزيز نفوذهم في الآستانة طبقا لنصوص معاهدة انكيار سكيليسي، وإذ ذاك لا يكون أمام بريطانيا إلا أحد أمرين؛ فإما السكوت على أن يكون لروسيا التفوق في بوغازي البوسفور والدردنيل أو تلجأ إلى الحسام لتهدم ذلك التفوق والقضاء عليه. وبديهي أنه لم يكن من السهل التفضيل بين أحد هذين الأمرين؛ إذن فلا بد من منع محمد علي من مهاجمة الباب العالي، أو إذا لم يكن منع نشوب الحرب؛ فإن بريطانيا تنضم إلى روسيا في تأييد السلطان وشد أزره؛ ولهذا وجهت إلى محمد علي عبارات اللوم والتقريع في مرات عديدة.

وفي نهاية سنة 1837م اضطر كامبل أن يبين له أن الدول العظمى لن تسمح له بالاحتفاظ بكل هذه التسليحات التي لن تكون لها نتيجة أخرى عدا وقوعه في أشكال مع السلطان، وبذا يتعذر نشر ألوية السلام في ربوع الشرق.

13

أما بالمرستون فقد رفع عقيرته وردد عبارات التحذير عالية، وطلب إلى كامبل بأن يلفت نظر الباشا إلى العواقب السيئة التي سوف تكون حتما من نصيبه إذا ما عاد إلى الاعتداء على أي قطر من الأقطار التابعة للسلطان، ثم عليك أن تبلغ الباشا بأن نظامه الخاص بالتجنيد الإجباري وتنفيذه إلى مدى واسع مضافا إليه تأهباته العسكرية الإيجابية وحشده الجنود في سوريا؛ كل هذا خليق بأن يثير الارتياب في نياته حيال الباب العالي،

14

ولكن محمد علي لم يكن له إلا رد واحد على هذه الاعتراضات، وكان هذا الرد مفحما يصعب ألا يرضخ له الإنسان؛ ذلك أن السلطان محمودا كان منهمكا في إعادة تنظيم جيشه، ثم إن الضباط الألمان بما فيهم الجنرال فون ملتكه الشهير قد استأجرهم السلطان لتمرين الجيش وتنظيمه.

ولما كان الباب العالي وقتذاك غير مشغول بحرب خارجية ولا مهدد بثورة داخلية يستعد لقمعها، فما معنى هذه الاستعدادات إن لم تكن موجهة ضد مصر؛ فإذا كان الباشا يستعد من ناحيته فاستعداده ذلك إنما هو ما تمليه عليه رغبته الصادقة في الاحتفاظ بالسلام، وهي الترجمة الشرقية للعبارة اللاتينية: «إن أردت السلام فعليك بالاستعداد للحرب.»

ولم يرق هذا الرد طبعا في نظر بريطانيا وفرنسا، بل اغتاظتا له أشد الغيظ فأصدرتا لقنصليهما العموميين التعليمات اللازمة بالتكلم مع الباشا في الموضوع بلهجة حازمة شديدة، بل إن بالمرستون كتب في هذا الموضوع مرتين متواليتين في شهر مارس سنة 1838م؛ فقد طلب أول مرة بيانات صريحة عن نيات محمد علي،

15

Bog aan la aqoon