Masar Bilowgii Qarniga Sagaalaad
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Noocyada
Anny
وكيلا بريطانيا بالإسكندرية.
وقد ترتب على جلاء الإنجليز عن الإسكندرية، أن غادر هذه كثير من أولئك الذين اعتقدوا - كما قال «فريزر» وهو يبعث برسالته إلى «كاسلريه»، من على ظهر الباخرة تيجر في 26 سبتمبر في طريقه إلى صقلية - أنهم صاروا موضع كراهية عظيمة؛ بسبب صداقتهم ومعاونتهم للإنجليز، وقد لجأ بعض هؤلاء إلى البريطانيين حتى يحملوهم على ظهر سفنهم معهم، بينما هاجر عديدون من سكان الإسكندرية، مسلمين ومسيحيين على السواء، ومن بين هؤلاء الأخيرين أسر لبنانية كثيرة ذهبت إلى الشام، كما قصد بعض المهاجرين إلى وجاقات الغرب، ونزح قسم كبير من فقراء الإسكندرية إلى الصحراء؛ ليعيشوا مع البدو في خيامهم، وقد حذا حذو هؤلاء المهاجرين كثيرون من أهل رشيد كذلك.
ومن بين الذين هاجروا من الإسكندرية الشيخ محمد المسيري، وقد نزل كتخدا بك طبوز أوغلي بداره عند دخوله الإسكندرية، ثم الشوربجي أو رئيس قضاة الإسكندرية سيدي قاسم غرياني، وأما الشيخ إبراهيم باشا - زوج كريمة الشيخ محمد المسيري، وأحد الموقعين على اتفاق تسليم الإسكندرية إلى الإنجليز في 20 مارس - فقد آثر أن يقبل قدمي محمد علي؛ يطلب الصفح منه على الهجرة من الإسكندرية، فعفا عنه الباشا وأمنه على حياته، وخلع عليه فروة ثمينة.
ثم كان من بين أولئك الذين اضطروا إلى مغادرة الإسكندرية أعضاء البعثة البريطانية - بطبيعة الحال - الكابتن «تابرنا» السكرتير العام، ويوسف عزيز الترجمان الأول، و«أرنست مسيت» رئيس البعثة، وقد غادر هؤلاء الإسكندرية بعد إخلائها في 19 سبتمبر، وأبحروا مع الجيش إلى صقلية فبلغوها يوم 16 أكتوبر، وكان «فريزر» نفسه قد سبقهم إليها منذ 11 أكتوبر.
ووجد «مسيت» متسعا من الوقت وهو بصقلية؛ ليؤيد قضايا أولئك الذين صادقوا الإنجليز، واعتبرهم حلفاء لهم، وكانوا في رأيه في حاجة إلى المساعدة، ولا يجب على البريطانيين أن يتخلوا عنهم وعن قضيتهم بعد انسحابهم من هذه البلاد، فانبرى الآن لمساعدة قاسم غرياني، وأمين بك الألفي، وتأييد قضية المماليك عموما بقدر طاقته، وسلك في هذه المسألة الأخيرة نفس طريق الإيحاء والتمويه التي سلكها في السابق كلما أراد أن يزيل من ذهن رؤسائه عبث الاعتماد على البكوات؛ بسبب الخلافات السائدة بينهم وقصورهم عن إدراك ما فيه صالحهم، فبعث وهو بمسينا برسالة مطولة إلى «كاسلريه» في 21 أكتوبر، تحدث فيها عن استحقاق سيدي قاسم غرياني لكل مساعدة، وهو الذي اضطر بسبب صداقته للإنجليز إلى الهجرة من الإسكندرية، وترك أمواله وأملاكه التي صادرتها حكومة الباشا.
وكان مما ذكره «مسيت» لتأييد مساعيه في صالح هذا الشيخ، أن الحكومة البريطانية كانت قد منحت سيدي قاسم غرياني عشرة شلنات معاشا يوميا؛ مكافأة له على الخدمات التي أداها أثناء الحملة البريطانية الأولى على مصر (1801)، وأجد من العبث محاولة إيفائه كل حقه من المديح والثناء؛ بسبب الجهود المتصلة التي بذلها إبان وجود الجنود البريطانيين بقيادة الميجور جنرال «فريزر» بالإسكندرية، ولكني أستطيع أن آخذ على عاتقي باطمئنان القول بأن الفضل إنما ينسب إليه، وإلى ما أبداه من همة في حصول الجيش على المؤن والأغذية التي حصل عليها أخيرا بكثرة وفيرة، ولقد وعد الليفتنانت جنرال السير «جون مور» سيد قاسم غرياني بمضاعفة المعاش المعطى له، وذلك ابتداء من يوم 25 سبتمبر، ولا أشك في أنكم سوف تؤيدون وعد السير جون، والحقيقة أن عشرين شلنا يوميا لا تكاد تكفي لإعالة رجل في مثل مكانته مع أسرته، وأرجو أن ترى الحكومة البريطانية أنه مما يتفق مع كرامتها أن تعوض هذا الشيخ تعويضا مناسبا عن الأضرار التي لحقت به نتيجة لما أظهره من ولاء نحو المصالح البريطانية.
وتحدث «مسيت» في رسالته هذه كذلك عن المماليك، فاستهل حديثه عنهم بملاحظة من المستغرب صدورها عنه، حيث قال: «إنه يمكن الآن اعتبار أن المماليك كحزب أو جماعة سياسية، قد عفت آثارهم أو كادت، فقد وقع الخلاف بينهم قبل إخلاء الإسكندرية بوقت قصير حول توزيع القرى، وتحاربوا وسقط أثناء القتال تسعة منهم، أحدهم خليفة عثمان بك البرديسي.» ولكن هذا الاستغراب لا يلبث أن يزول عندما نجد «مسيت» يحاول إسناد هذا الفشل الذي أصابهم إلى جلاء الإنجليز عن البلاد، فقد استمر يقول: وليس هناك أي شك في أن إبراهيم بك سوف يبذل الآن قصارى جهده لعقد السلام مع الباشا، حيث قد انعدم لديه كل أمل في انتظار أية مساعدة من الحكومة البريطانية.
أما عن أمين بك الألفي، فإنه ما إن ذاع الخبر في النصف الأخير من شهر أغسطس بأن الإنجليز يعتزمون إخلاء الإسكندرية، حتى لقي كل تشجيع من «مسيت» للذهاب إلى «تينيدوس»؛ لمقابلة السير «آرثر باجيت» يسأله التوسط لدى الباب العالي في صالح البكوات أثناء مفاوضة «باجيت» مع العثمانيين، وحتى يبسط له وضع المماليك ونواياهم ورغائبهم، وقد سبق كذلك أن ذكرنا أن «مسيت» حمل أمين الألفي مذكرة والتماس الإسكندريين إلى «باجيت » مشفوعة برسالته إليه بتاريخ 22 أغسطس، فوصل أمين إلى «تينيدوس» في أول أكتوبر، وقابل «باجيت» وسلمه رسائل «مسيت»، واعتقد «باجيت» أن محمد علي يؤيد المصالح الفرنسية، وصح عزمه إذا أتيحت له الفرصة ودخل القسطنطينية، أن يبذل قصارى جهده لحمل الديوان العثماني على نقل أو إخراج محمد علي من باشوية مصر، وقد تحدث إليه أمين الألفي كذلك عن مهمته، ولكن «باجيت» لم يستطع فعل شيء له؛ لفوات الوقت، وقد راح يذكر في كتاب له إلى وزير الخارجية «جورج كاننج» في 4 أكتوبر وقائع بعثة أمين هذه، ويؤخذ مما ذكره عنها أن أمين الألفي عندما وقف على فشل «باجيت» في مفاوضته مع الباب العالي، تزايد شعوره بحرج موقفه، وصار لا يجرؤ على الذهاب إلى القسطنطينية أو العودة إلى الإسكندرية؛ لأنه من المحتمل أن تكون هذه قد انتقلت الآن إلى يد محمد علي، والعلاقات بين الباشا والبكوات سيئة، ثم إن أمين بك لم يشأ المكث في «تينيدوس»؛ خوفا من أن يلحق الأذى بمصلحته إذا عرف الباب العالي أنه موجود بها؛ وعلى ذلك، فقد طلب أمين أن يسمح له بالذهاب إلى مالطة، وأجابه «باجيت» إلى رغبته، وفي 2 أكتوبر أبحر أمين إلى مالطة فوصلها في نوفمبر.
وراح أمين - وهو بمالطة - يؤكد لحاكمها السير «ألكسندر بول» صداقة البكوات للإنجليز وولاءهم لهم، واعتماد المماليك على مساعدة هؤلاء لهم، وتذكيرهم الإنجليز بالوعود التي بذلوها للبكوات، ثم طلب من بول مساعدته على الذهاب إلى طرابلس الغرب؛ لسؤال حاكمها يوسف باشا القره مانلي معاونته على العودة بطريق الصحراء إلى مصر، وكان بعد انقضاء ثلاثين يوما تقريبا من وجوده بمالطة، أن كتب أمين الألفي إلى «مسيت» بتاريخ 2 ديسمبر سنة 1807، يقص عليه ما حدث له منذ مغادرته للإسكندرية إلى مجيئه إلى مالطة، ويرجوه إبلاغ كل هذه التفاصيل إلى حكومته، ثم عاد يؤكد صداقة البكوات لبريطانيا، فقال: «ولا شك في أنكم قد عرفتم أثناء وجودكم بالإسكندرية، كم من مرة عرض علينا فيها محمد علي مقترحات مختلفة لقبول الصلح معه، ولكننا لاعتمادنا على مساعدة الإنجليز لنا قد رفضنا الشروط التي عرضها علينا أكثر من عشرين مرة، ولا جدال في أن وقوفكم على هذه الحقائق سوف يمكنكم من تأييد ما ذكرته، وسوف يجعلكم قادرين على أن تؤكدوا للحكومة البريطانية صداقتنا لها.» ثم رجاه في ختام رسالته أن يبعث برده إلى «برجز» في مالطة؛ لأن أمين الألفي - كما قال - على وشك السفر إلى طرابلس، حيث يتوقع أن يسمع من «مسيت» وهو بها.
Bog aan la aqoon