Masar Bilowgii Qarniga Sagaalaad
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Noocyada
فقد جرى تسليم الأسرى بكل سرعة يوم 12 سبتمبر، وبدأ إخلاء الجنود البريطانيين للإسكندرية، ونزولهم إلى السفن في اليوم التالي، ثم بدأ خروج هذه من الميناء القديمة يوم 14 سبتمبر، وما وافى يوم 19 سبتمبر حتى كان قد تم إخلاء الإسكندرية.
وكان الباشا لرغبته في امتلاكها دون إبطاء قد عين كتخدا بك «طبوز أوغلي» حاكما لها، وقضى هذا جملة أيام ببركة غطاس مع طليعة جيش الباشا المعد لاحتلال المدينة، ثم احتل القطع يوم 17 سبتمبر، وفي اليوم نفسه دخل إلى الإسكندرية مع خمسين من رجاله ليجد بعض الإنجليز لا يزالون يحتلون القلاع والمراكز الرئيسية.
وأرسل «طبوز أوغلي» خبر احتلاله الإسكندرية إلى الباشا، فغادر هذا دمنهور فورا على رأس ألفين من جنده، وواصل السير الليل كله حتى وصل إلى بحيرة المعدية، ووجد عند القطع الكابتن «هالويل»، ينتظر في قارب وصول الباشا لزيارته تحية له، وعسكر الباشا في هذا المكان، وفي صبيحة اليوم التالي (20 سبتمبر سنة 1807) دخل الباشا الإسكندرية على دوي المدافع التي أطلقت من طبياتها تحية له، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تطأ قدما محمد علي فيها أرض الإسكندرية، وبادر القناصل والأعيان وكبار التجار والمشايخ والعلماء ورؤساء الجند بتقديم التحية، ثم نزل الباشا يزور المدينة وتحصيناتها وأبوابها وقلاعها ومخازنها.
وكان أول ما استرعى انتباه الباشا أن الخزانة بالإسكندرية خالية من المال، فأمر بفحص حسابات الجمارك وسجلات احتكارات الصودا وأصناف السوائل، وتبين من هذا الفحص أن الأموال المحصلة منها والتي كان يجب أن تمتلئ بها خزانة الحكومة بالإسكندرية، قد بددت، فلم يكن هناك معدى حينئذ عن تدبير قدر من المال لسد مطالب الإدارة الجديدة على وجه السرعة، ولدفع مرتبات الأرنئود قبل أي شيء آخر؛ وعلى ذلك، فقد أخذ من التجار الأوروبيين بالثغر سلفة قدرها عشرون ألف ريال إسباني أو سبعة ومائة ألف فرنك، تقوم جمارك الإسكندرية بسدادها لأصحابها من إيراداتها، وكانت هذه هي السلفة التي تحدث الباشا في موضوعها مع «دروفتي» عند عودته إلى القاهرة على نحو ما سبق ذكره.
وكان أثناء تغيب الباشا عن القاهرة أن وصل إلى دمياط قابجي يسمى نجيب أفندي، يحمل هدايا من السلطان العثماني إلى محمد علي وكبار رجال حكومته مكافأة للباشا على بلائه الطيب وانتصاره على الإنجليز، فبلغ بولاق يوم 14 سبتمبر، وعندما علم بوجوده بناحية البحيرة ذهب إليه لمقابلته، ويقول الشيخ الجبرتي: إن هذا الرسول قابل الباشا بدمنهور، ولكن غيره من المعاصرين يذكرون أن الباشا كان بالإسكندرية عندما تسلم هو ورجاله هدايا السلطان إليهم، وهي لخصوص الباشا قفطان وسيف، وشلنج وخلع لكبار العسكر حسن باشا، وطاهر باشا، وعابدين بك، وعمر بك الأرنئودي، وصالح قرش قوج، وأما الجنود الذين أبدوا بسالة أثناء النضال مع الإنجليز، فقد كوفئوا بنياشين فضية علقوها على عمائمهم.
ثم حدث أثناء وجود الباشا بالإسكندرية كذلك أن وصل إلى دمياط أحد ضباط الباب العالي، يصحبه إبراهيم بك بن محمد علي الذي كان القبطان صالح باشا قد أخذه رهينة إلى القسطنطينية في أكتوبر سنة 1806؛ حتى يدفع محمد علي مبلغ الأربعة آلاف كيس التي وعد بدفعها إلى الباب العالي؛ نظير تثبيته في الولاية عند انتهاء أزمة النقل إلى سالونيك، فدلت إعادة إبراهيم على رضاء السلطان عن الباشا وتقديره لجهوده، وبلغ إبراهيم القاهرة بصحبة هذا القابجي باشا يوم 26 سبتمبر.
ولم تخل إقامة الباشا في الإسكندرية من المتاعب، فقد تمرد الأرنئود في الأيام الأولى من شهر أكتوبر؛ بسبب رداءة المياه المجلوبة من الصهاريج، وقلة الأغذية والمؤن بالمدينة، ورفعوا عقيرتهم مطالبين بالمرتبات المتأخرة لهم، ووقعت الاضطرابات، ولكن الباشا لم يلبث أن أعاد النظام إلى نصابه بفضل ما دفعه للجند من السلفة التي أخذها من التجار الأوروبيين، ثم سرعان ما وصلته أنباء أخرى مزعجة عن فعال الجند الذين بالقاهرة؛ لأنه ما إن ارتفع خطر الغزو الأجنبي وزال الخوف من نفوسهم، حتى استأنفوا فعالهم الذميمة، وقد تزايدت الآن جرأتهم ووقاحتهم، فعم البلاء في القاهرة وسادت الفوضى بها، فأفحش العساكر في التعدي على الناس، وغصب البيوت من أصحابها، ولم يستثنوا من ذلك أعيان الناس والمقيمين بالبلدة من الأمراء والأجناد المصريين وأتباعهم المماليك ونحوهم، وآذوا مشايخ العلم، ولم يفد هؤلاء احتجاجهم بأنهم مسلمون، وأن النصارى واليهود يكرمون قسسهم ورهبانهم، حيث أجابهم الجند أنتم لستم بمسلمين؛ لأنكم كنتم تتمنون تملك النصارى لبلادكم وتقولون أنهم خير منا، ونحن مسلمون ومجاهدون طردنا النصارى وأخرجناهم من البلاد، فنحن أحق بالدور منكم، وصاروا يفرضون الغرامات على الوجهاء والأعيان نظير ترك دورهم لهم، فما إن بلغت هذه الأخبار محمد علي حتى قرر العودة إلى القاهرة.
فغادر الباشا الإسكندرية بطريق البر إلى رشيد، حيث أمضى بها ساعات قليلة أصدر في أثنائها الأوامر والتعليمات اللازمة لإنشاء سور يحيط بها، ثم نزل في النيل قاصدا إلى القاهرة، وحدث عند زفتيه أن انقلبت السفينة الصغيرة التي كان بها الباشا، وبصحبته حسن باشا طاهر، وسليمان أغا صالح وكيل دار السعادة سابقا، وصاحب الدور المعروف أثناء أزمة النقل إلى سالونيك، ثم تمرد ياسين بك الأرنئودي، فأشرف ثلاثتهم على الغرق، وتعلق بعضهم بحرف السفينة، ومع أن الباشا كان يحسن السباحة، فقد لازم رفيقيه محاولا إنقاذهما حتى لحقت بهم سفينة أخرى، فطلب من نوتيتها الاهتمام بحسن باشا وسليمان أغا، وأما هو فقد سبح إلى الشاطئ، واستأنف الجماعة سيرهم فوصلوا إلى ساحل بولاق يوم 5 أكتوبر.
وأما الإنجليز، فقد تم إخلاؤهم للإسكندرية - كما قدمنا - يوم 19 سبتمبر، وما إن تسلموا أسراهم حتى أبحرت بهم الناقلات إلى «مسينا» في 22 سبتمبر، وتم إبحار سائر جيش الحملة من خليج أبي قير في 25 منه، وقد ترك «فريزر» بالإسكندرية «بتروتشي» مندوبا بريطانيا؛ للإشراف على جميع أسرى الحرب الذين بيعوا للأفراد كرقيق، وترحيلهم من البلاد، ثم ملاحظة المصالح البريطانية في الوقت نفسه، وقد جرد الآن «بتروتشي» - وهو مالطي - من عمله كنائب قنصل لبريطانيا في رشيد، وبقي له عمله كقنصل للسويد فحسب، وعين «فريزر» مساعدا له في مهمته أحد التجار الإنجليز، ويدعى «هود»
Hood ، وكان قد اضطر إلى مغادرة القسطنطينية مع السفير الإنجليزي السابق بها «أربثنوت»، واعتقد «فريزر» أنه بفضل ما له من معرفة بعادات وتقاليد البلاد لإتقانه اللغة التركية، سوف يكون ذا نفع عظيم في مركزه الجديد هذا، وقد سمى «فريزر» كذلك مالطيا يدعى «أني»
Bog aan la aqoon