199

Masar Bilowgii Qarniga Sagaalaad

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Noocyada

فقد كتب الجنرال السير «جون مور» فيما بعد في 13 يوليو 1807 إلى وزير الحربية البريطانية والمستعمرات اللورد «كاسلريه»

Castlereagh - وقد خلف «وندهام» في هذا المنصب منذ 25 مارس من السنة نفسها - يصف الحالة التي سادت الإسكندرية عقب هاتين الهزيمتين في رشيد (31 مارس) والحماد (21 أبريل) بأنها تدل على اليأس والقنوط والفزع، فقد وجد «فريزر» نفسه مرغما على البقاء محصورا بالإسكندرية يمنع عليه الأرنئود المنتصرون كل اتصال بداخل البلاد، فلا يستطيع جلب أية مؤن إلى الإسكندرية، وصار مهددا بحدوث المجاعة، ولم يكن موقفه مأمونا بعد هزيمة الحماد خصوصا حيث أفقدته هذه الواقعة خمس قواته دفعة واحدة، ولأن بدو الصحراء - ومن رأيهم الانحياز إلى جانب المنتصر دائما - لم يلبثوا أن انفضوا من حوله، أضف إلى هذا أنه لم يبد - كما رأينا - من جانب البكوات المماليك بتاتا ما يدل على أنهم ينوون الاتحاد مع الإنجليز طالما أن هؤلاء لم يحرزوا تفوقا عسكريا على العدو ولم يبدءوا الهجوم على القاهرة، ولما كانت تحصينات الإسكندرية في حالة سيئة، ويبلغ محيط أسوارها ثلاثة أميال، مما يتطلب جهودا مضنية للدفاع عنها، وليس لديه الآن سوى ثلاثة آلاف رجل فحسب، فقد انعدم كل رجاء في إمكان الاحتفاظ بها إذا حاول العدو مهاجمتها ولو هجوما ضعيفا، وراح «فريزر» في قنوطه وفزعه هذين يرسم للمسئولين صورة محزنة قاتمة عن الحال السيئة التي صار إليها جيشه، فكتب إلى الجنرال «فوكس» في 24 أبريل يبلغه وقد استبد به الألم والحزن نبأ فشل المحاولة الثانية ضد رشيد، ويقول إن من واجبه الآن أن يعرض عليه حقيقة الموقف الذي يرجو أن يكون موضع تفكيره الجدي، وهو أنه بسبب هذا الفشل إلى جانب الفشل الذي سبقه قد صارت تتزايد حروجة وخطورة موقفنا يوما بعد يوم، ومرد ذلك إلى النقص العظيم الذي حدث في قواتنا، ثم إلى ما يكاد يكون مقطوعا به تماما من وقف كل الإمدادات والمؤن اللازمة لجنودنا ولأهل الإسكندرية على يد العدو الذي نزل بأعداد كبيرة من القاهرة إلى هذه الجهات، بينما لا يوجد لدى الجند سوى قديد يكفيهم مدة شهرين فقط، وليس لديه من النقود - وهي الوسيلة الوحيدة للحصول على الإمدادات الضئيلة الآن ما يكفي لسد نفقات الجيش خلال الشهر الآتي، ولا يستطيع الحصول على مال: لا بإعطاء تحاويل على المصارف ولا بالاستدانة ولا بأية وسيلة أخرى؛ ولذلك فهو يرى من الضروري المبادرة بإمداده فورا بالرجال والمؤن والمال، ولو أنه يشك حتى عند وصول هذه النجدات إليه أن في استطاعته بسبب ما عليه أن يواجهه من صعوبات أخرى منوعة الاحتفاظ بالإسكندرية، ومع ذلك فإنه يرى من واجبه من ناحية أخرى أن يؤكد للجنرال «فوكس» أنه بدون هذه الإمدادات التي يطلبها فورا سوف يكون الاحتفاظ بالإسكندرية أمرا يستحيل فعله استحالة تامة، بل إن ما لديه من أغذية القديد سوف يكفي فقط لتموين الجند أثناء رحلتهم إلى «مسينا» في صقلية إذا وجب إخلاء الإسكندرية.

وقد أيد السير «توماس لويس» الجنرال «فريزر» فيما ذهب إليه، فكتب هو الآخر في اليوم نفسه إلى السير «جون داكويرث»، يقدر ما تكبده الإنجليز من خسائر في محاولتهم الثانية ضد رشيد بعدد من الرجال يتراوح بين 1200، 1400، ويصف الوضع بأنه يبعث على الحزن والرثاء حيث لا يتجاوز عدد القوات من جميع الأصناف الثلاثة آلاف بينهم على الأقل نحو الثمانمائة أو التسعمائة من الجنود الأجانب، وهذا مع كثرة عدد العدو وعدم وجود أصدقاء أو حلفاء للإنجليز بهذه البلاد، ثم استطرد يقول إنه قد تقرر بعد تبادل الرأي مع الجنرال «فريزر» تركيز كل القوات البريطانية في مدينة الإسكندرية ومينائها وذلك حتى يبلغنا منكم ومن الجنرال «فوكس» ما صح عليه عزمكما، ونحن نتطلع باهتمام زائد إلى النجدات من الرجال والمؤن والنقود التي نطلبها، ثم إن المؤن التي لدى الجيش لا تكفيه إلا لمدة لا تزيد على ثمانية أسابيع، وأما حال البحرية ففي وسعك أنت الحكم عليها بنفسك، ولا تأتي أية إمدادات إلى الإسكندرية التي صارت منفصلة تماما عن البلاد الداخلية، والموجود من المؤن لسكانها قليل، وحيث إن قوات العدو ضدنا كبيرة، وقوة مقاومتنا ضئيلة فقد يحدث أن نجد أنفسنا مرغمين على مغادرة الإسكندرية قبل أن يصلنا ردكم على هذا الكتاب.

على أن هذا الشعور باليأس والفزع لم تلبث أن خفت حدته رويدا رويدا بمجرد أن بدأ يزول أثر الصدمة الأولى، وشرع «فريزر» عندما شرع يفيق من هول الهزيمة، يقلب وجوه الرأي من جديد في الموقف، وساعده على استرداد هدوئه أن الأرنئود لم يحاولوا مهاجمة الإسكندرية مباشرة عقب انتصارهم في واقعة الحماد، وتبين لفريزر أنه صار لديه فسحة من الوقت لتدبير الدفاع عن الإسكندرية على الأقل حتى تأتيه تعليمات حكومته، ولو أنه ظل يشك كثيرا في استطاعته الاحتفاظ بالإسكندرية مدة طويلة، إذا لم تصله سريعا الإمدادات التي طلبها، فقد اكتشف أن بالإسكندرية كميات وفيرة من الأرز - وقد أشرنا إلى سبب توفرها وقتئذ - يمكن الاستعاضة بها عن القمح في تموين الجيش والإسكندريين، زد على هذا أن الإنجليز كانوا أصحاب السيطرة في البحر، وفي مقدورهم جلب مواد الوقود والأنبذة والزيوت من جزر بحر الأرخبيل وساحل القرمان، وفي وسعهم كذلك إغراء البدو على جلب القمح والشعير إلى سوق الإسكندرية على نحو ما ذكره جميعه «مسيت» نفسه لفريزر منذ 22 أبريل، ومع أن التحصينات ضعيفة، فإن طبيعة موقع الإسكندرية يجعل الدفاع عنها ميسرا، حيث يكفي كسر السد أو القطع بين بحيرتي المعدية ومريوط لإغراق هذه الأخيرة من جديد بصورة يتعذر معها على فرسان العدو ومشاته الخوض فيها، وقد كتب «فريزر» إلى «وندهام» في أول مايو أنه وجد ضروريا منذ عودة الجيش إلى الإسكندرية قطع السد بين بحيرتي المعدية ومريوط من أجل تعزيز مركز الإنجليز بالإسكندرية حيث اتضح أنه في إمكان المشاة والفرسان الأعداء الخوض في كل أجزاء مريوط، ولو يؤثر قطع هذا السد على إمدادنا بالمياه؛ لأن الألفي بك كان قد قطع قناة الإسكندرية بالقرب من دمنهور قبل ذلك بوقت غير بعيد.

ثم إن السفينتين الحربيتين «كانوب» و«تيجر» دخلتا إلى ميناء الإسكندرية وألقتا بمراسيهما بها متهيئتين لتعزيز بطاريات الإسكندرية بمدافعهما، وصارت سفينة أخرى هي «ستاندارد»

Standard

تتجول في ناحية العجمي أو مرابط بينما وقفت السفينة «أبولو»

Apollo

في خليج أبي قير لمراقبة حركات أسطول العدو في هذه الناحية وشل نشاطه، وأعد الكابتن «هالويل» أسطولا من زوارق المدفعية للخدمة بالقرب من الشاطئ وعند مدخل بحيرتي المعدية ومريوط وفي هاتين البحيرتين ذاتهما كما حصن القطع بينهما، وأمكن تهيئة القلاع للدفاع وجعل الخط الغربي من تحصينات المدينة في حال طيبة، وقد دلت كفاية هذه الإجراءات الدفاعية لتأدية الغرض منها في مناسبتين: إحداهما عندما نقل الأرنئود قوات كبيرة في القنجات وسائر أنواع القوارب إلى قاعدة قيروان سراي يوم 10 مايو.

وكانت دوريات فرسان الأتراك قد وصلت في تجوالها إلى مسافة لا تزيد على ربع ميل فحسب من قطع القناة قناة الإسكندرية بين بحيرتي المعدية ومريوط، وكان غرض الأرنئود من نقل هذه القوات الكبيرة إلى قيروان سري الوصول إلى شبه جزيرة أبي قير، ولكن السفن الثلاث «ستاندار» و«أبولو» و«بيتارن»

Bog aan la aqoon