============================================================
فتا (في خلاصة الكلام وزبدته بشأن مقامي الخوف والرجاء] وجملة الأمر : أنك إذا تذكرت سعة رحمة الله تعالى التي سبقت غضبه ووسعت كل شيء، ثم كنت من هلذه الأمة المرحومة الكريمة على الله تعالى، ثم غاية فضله العظيم ، وكمال جوده القديم ، وجعل عنوان كتابه إليك : يشه الله الرقكن الرحيو)، ثم كثرة أياديه إليك ونعمه عليك ظاهرة وباطنة من غير شفيع أو قدم سابقة لك: وتذكرت من جانب آخر كمال جلاله وعظمته، وعظم سلطانه وهيبته، ثم شدة غضبه الذي لا تقوم له السماوات والأرض، ثم غاية غفلتك ، وكثرة ذنوبك وجفوتك، مع دقة آمره وخطر معاملته في إحاطة عليه وبصره بالعيوب والغيوب ، ثم حسن وعده وثوابه الذي لا تبلغ كنهه الأوهام ، وشدة وعيده وأليم عقابه الذي لا تحتمل ذكره القلوب، تارة تنظر إلى فضله، وتارة تنظر إلى عذابه، وتارة تنظر إلى رأفته ورحمته، وطورا تنظر إلى نفسك في جفواتها وجناياتها.. يؤدي بك جميع ذلك إلى الخوف والرجاء، وكنت قد سلكت السبيل الشارع القصد(1)، وعدلت عن الجانبين المهلكين : الأمن واليأس ، ولا تتيهآ فيهما مع التائهين ، ولا تهلك مع الهالكين ، وشربت الشراب الممزوج العدل ؛ فلا تهلك ببرودة الرجاء الصرف ، ولا بحرارة الخوف الصرف ، فكأني بك وقد وصلت إلى المقصود غانما، وشفيت من العلتين سالما، ووجدت النفس قد أنبعثث للطاعة، ودانت في الخدمة ليلا ونهارا من غير فترة ولا غفلة، واجتنبت المعاصي والمخازي وهجرتهما بمرة، كما قال نوف : (إن نوفا إذا ذكر الجنة. . طال شوقه ، وإذا ذكر النار. . طارنومه)(2).
Bogga 220