[قول الفلاسفة شر من قول النصارى ومشركي العرب]
ثم إن هذا الذي هو القول بتوليد العقل عنه، وتوليد العقل والنفس والفلك عن العقل، وأن كل واحد من العقول هو رب لكل ما دونه، وأن العقل الفعال هو رب لكل ما تحت السماء؛ لا ريب أنه شر من قول النصارى الذين قالوا: المسيح ابن الله، وشر من قول العرب الذين قالوا: الملائكة بنات الله. فإن أولائك مع أنهم {وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم} (¬1) كانوا يقولون: إنه خلق السماوات والأرض وما بينهما، لا يقول أحدهم: إن ملكا من الملائكة أبدع كل ما تحت السماء، ولا أن ملكا واحدا ابتدع جميع الكائنات غيره.
ففي قول هؤلاء من الإشراك والتوليد أعظم مما في قول النصارى ومشركي العرب.
وأصل قولهم في إثبات الواحد الذي يصفونه بأنه واجب الوجود هو قول باطل ممتنع في صريح العقل. فإنهم يقولون: هو الوجود المطلق الذي ليس له حقيقة يمتاز بها عن الممكنات غير حقيقة الوجود.
والمطلق تارة يريدون به المطلق بشرط الإطلاق، وهذا عندهم وعند جميع العقلاء لا وجود له في الخارج عن الذهن؛ وإنما وجوده في الذهن فقط، كما بينوا ذلك في المنطق.
فالإنسان المطلق بشرط الإطلاق، والحيوان المطلق بشرط الإطلاق، والجسم المطلق بشرط الإطلاق، والوجود المطلق بشرط الإطلاق؛ إنما يتحقق في الذهان لا في الأعيان.
Bogga 103