فإن الذهن يأخذ القدر بين الأعيان المشتركة، والقدر المشترك -بشرط كونه مشتركا- لا وجود له في الخارج عن الذهن؛ إذ كل شيء موجود فهو متميز بنفسه عما سواه لا يشركه غيره في نفس ما هو قائم به من الصفات، ولا في نفس ذاته الموصوفة، ولكن هو وغيره يشتبهان، ويشتبه هذا من وجه، وهذا من وجه، والعقل يميز ما اشتبها فيه واختلفا فيه.
والثاني المطلق لا بشرط؛ مثل الإنسان والحيوان والجسم والموجود؛ فهذا إذا قالوا: إنه موجود في الخارج عن الذهن لكونه يصح أن يقال للمعين: هذا إنسان، هذا حيوان، هذا / (¬1) جسم، هذا موجود؛ لم يقتض ذلك أن يكون وجوده غير وجود المعين الخارج، بل إذا قلت: هذا إنسان، وهذا حيوان، وهذا جسم، وهذا موجود، كان المشار إليه واحدا بعينه لا تعدد فيه.
وهذه الأسماء أفادت تعدد الصفات، والمعاني التي يصفه بها العقل لم تفد أن هناك موجودين قائمين بأنفسهما: أحدهما: إنسان والآخر حيوان والآخر جسم والآخر موجود، أو وجود. فإن هذا لا يقوله عاقل تصوره.
وقد بسطنا الكلام على غلط من قال: إن الحقائق التي هي الماهيات في الخارج أمر مغاير للموجود في الخارج.
وقد بينا: أنه إنما يتغاير ما في الذهن وما في الخارج.
كما بينا غلط من زعم: أن الموجودات لها ثبوت في العدم في الخارج قبل وجودها.
Bogga 104