واعلم أيها المسترشد أن التأويل لا يسلم للمتأول جزافا فلا بد أن يطلب على صحة تأويله برهانا، فإن أقام الدلالة ونصب البرهان قبل قول الخصم طائعا أوكارها، فإن كابره مكابرة ظاهرة، كان عند المستحفظين خائنا، وعند الله مائنا، وكفى بنفسه عليه حسيبا، وبعقله على اختلاله رقيبا، وإن لم يقم دلالة ولانصب برهانا لم يعط مراده بقوله ولا ينفعه تأويله.
قال عليه السلام: فحقيقة المتشابه: كل لفظ إذا أطلق عليه سبق إلى فهم السامع معنيان، أو ثلاثة أو أكثر بعضها صحيح وبعضها فاسد، فيبقى متردد الفهم بين تلك المعاني، فيقع الاشتباه عليه حتى يميز بعضها من بعض بالبرهان العقلي والشرعي كالشاهدين العدلين يقعان لإحدى الدعاوي فيستحق المدعي ويبطل كلام الآخرين، بعد كانوا قبل الشاهدين على سواء .
وأما المحكم فعلى وجهين أيضا أحدهما: ما صح المراد في باب الحكمة، وأحكمت آياته ورصفت من الخلل، لأن الحكم في الأصل هو المنع، ومنه أخذت حكمة الدابة، لأن يمنعها من العدوان، فكذلك الحاكم، والحكمة تمنع صاحبها من التعدي والمحكم كالمانع، والممنوع عن الإضلال في وجه من الوجوه، أوفي كل وجه فعلى هذا الوجه يحمل القرآن كله على أنه محكم ؛ لأن ألفاظه صحيحة ورصفه بريء من الخلل والغلظ، وعليه يحمل قوله تعالى: ((الر كتاب أحكمت آياته))[هود: 1]. فوصف القرآن كله على هذا المعنى بأنه محكم.
Bogga 81