الطبيعي العادي وكانت أزهى مما لو عاشت حياتها في قفص من زجاج تنمو فيه نموًا سريعًا ولا تلبث أن يعاجلها الذبول فالموت.
وإذا تأملنا قليلًا من هذه البشرية والقينا عليها نظرة دقيقة وجدنا أن كثيرًا من العقول الضيقة لم يكن السبب في ضيقها إلا عنف المربين وخنقهم في الطفل نزعات الطفولة لنبتسم إذن لهذه التربية الحديثة ابتسامة لطيفة ولنترك الأولاد يفعلوا بحسب رغباتهم ونزعاتهم واستعداداتهم ولنخفف من حصر الطفل وحفظه وسجنه ولنبتعد عما يفعله بعض المربين الذين يرون في المخالفة الصغيرة وفي الهفوات الطفيفة جرمًا كبيرًا فهم يبرقون ويرعدون إذا لطخ الطفل ثوبه أو مزقه أو كسر قدحًا أو ضرب أخاه أو أخته أو رفيقه فينهالون بالتوبيخ والتهديد وقد ينهون هذه المأساة بالضرب ويوجدون في ذلك الولد الذي لم يقترف أثمًا ولم يفعا ما فعل إلا لنزعات طفولته واستعداداتها ميلًا إلى العصيان. فكأنهم يعلمون ذلك الطفل الخشونة والتمرد عوضًا عن أن يعملوه الطاعة والرقة واللطف، ويملون عليه أمثولة في الظلم لأنهم أساؤا إليه وهو لم يقترف أثمًا حقيقيًا بل الهفوة التي اقترفها إذا جاز لنا أن ندعوها أثمًا قد اقترفتها الطفولة وكان الواجب عليهم أن يولدوا فيه عاطفة الاستقامة والعدل.
فيترتب على المربين أن يقلوا عن التنبيهات المتواصلة وإلا يزعجوا أولئك الملائكة الصغار بإرشاداتهم المتواترة وصراخهم الدائم وقصاصاتهم المتتابعة التي لا تثمر في النهاية سوى العصيان وضياع ما في الطفل من الاحترام لهم وأن يعرفوا لأولادهم الشروط التي تمكنهم من إتمام ما يريدون على ألا يكون في أعمالهم ضرر لهم. ليعط الطفل من الألعاب والأشياء ما يشغل به مخيلته وفكره ويديه فيفرح ويسر ويفرح المربي لفرحه أيضًا. أن المربين الانكليز هم المجلون الذين أدركوا قبل جميع المربين في سائر البلدان الأخرى أن التربية تقضي بإفراز بيئة خاصة للطفل يحيا فيها لا يكون لها أقل علاقة واشتراك ببيئة الكهول وأنهم لا يزالون حتى اليوم منارًا للمربين الآخرين يسترشد بهم في ليل التربية الحالك.
إن طاعة الطفل ضرورية لا بد منها غير أن للطاعة أوقاتًا وشروطًا وما الطاعة في إجبار الطفل على ترك نزعات طفولته إلا ضرب من الظلم وأداة من أدوات التربية القديمة
1 / 41