غرسها يكيف الولد بالتربية ولهذا يشبه الكثيرون من علماء النفس مهمة المربي بمهمة البستاني: فإذا رغب البستاني في الحصول على شجرة جميلة يانعة الأثمار اعتنى بها وهي شجيرة فقلمها وأبعد عنها ما يضيرها ووفر لها وسائط النمو وإذا أحب الوالدان أن يكون ابنهما صالحًا وجب عليهما أن ينسجا على نسج البستاني. ولا بد معرفة الأولاد معرفة حقيقية ومعرفة قواعد التربية أما معرفة الأولاد فهي الصعوبة الكبيرة التي يجب التغلب عليها لأن طباع الأولاد تختلف كما تختلف وجوههم.
فعلى كل مرب أن يضع أمام عينيه نموذجًا من الكمال وأن يسدد خطوات ذلك الطفل الذي يعني بتربيته ليوصله إلى ذلك النموذج الأسمى، يجب عليه أن يضعه في ذلك القالب ليخرج وفقًا لما رسمه من الكمال، يترت عليه أن يفكر دائمًا في أن من يعتني به ويعده لأن يكون عضوًا مفيدًا في المجتمع البشري فعليه أن يكفيه وفقًا لمقتضيات ذلك المجتمع ولا يتمُّ هذا إلا بإنماء ما يجب إنماؤه في الطفل بدون معاكسته البتة وهو القسم البارز في التربية وبتقويم ما أعوجَّ فيه وهو القسم الصغير الذي لا يأتي إلا في الدرجة الثانية.
أما القسم الأول فينطوي تحته إنماء الخواص والاستعدادات والميول التي تبدو بوادرها في الطفل. فالشيء الأول الذي تجب المحافظة عليه في الطفل ويترتب على كل مرب خبير بأصول التربية الحديثة أن يحترمه احترامًا مقدسًا هو الطفولة نفسها. أقول هذا وأنا واثق أن السواد الأعظم من المربين لا يحترمون الطفولة بل يقاومونها بكل ما لديهم من قوة فهم يميلون إلى أن يجعلوا من الطفل كهلًا وما الطفل بذلك الكهل فنراهم يلجأون إلى العنف والإجبار والتهديد ونرى الطفل الذي يخاف مربيه ووالديه قد أطاع مرغمًا إطاعة ظاهرة إلا أن نفسه لا تزال ميالة إلى الطفولة التي يمثلها ولهذا تدعوه تلك النفس بعد أن يرغم على الطاعة مرات متوالية إلى العصيان وهو لا يعصي إلا ليحيا لأنه يريد أن يحيا طفلًا قبل أن يحيا كهلًا.
أن بيئة الطفولة هي الدمى والألعاب الصغيرة والأطفال الذين لا تزيد سنهم عن سنه فيجب ألا يحرم الطفل هذه البيئة التي أوجدتها الطبيعة له بل على المربي أن يحترمها ويوفر له الأغذية المادية والروحية التي يحتاج إليها ويتركه يرتع في تلك البيئة بسلام. وما الطفل إلا كالغرسة اللطيفة التي متى توفرت لها أسباب الحياة من ماءٍ وهواءٍ ونور نمت نومها
1 / 40