المضرة.
والخاصة الثانية: التي يجب إنماؤها في الطفل هي صفة الأستملاك التي لا تخرج عن كونها مظهرًا من مظاهر الحرص والمحافظة. وهذه الصفة تنمو نماءً شديدًا في الأطفال.
فلو سار الطفل للتنزه نراه يملأ جيوبه عجائب غرائب والتقط كل ما يراه في طريقه من حصى ونوى وأعشاب وجذور وغير ذلك أو كان في البيت نراه يفتش في سلة المهملات عن شرائط قديمة وخرق بالية وصور ممزقة فيحفظها في مكان يخصه بنفسه كأنها كنوز ثمينة لا يحق لأحد أن يمسها.
فليترك الطفل وشأنه في عمله ولا يجوز للأم أو المربية أن تجبره على الاكتفاء بلعبة جميلة تأتيه بها ليلهو موجبة عليه إهمال ما جمع والامتناع عن اللعب بتلك الخرق والحصى والبذور والعظام وإلا كان عملها مداعاة إلى حمل الطفل على عصيانها فتضطر إلى توبيخه مع أن الطفل لم يقترف أثمًا ولم يعمل ما عمل إلا مدفوعًا بعوامل طفولته فعلى الأم أن تحترم نزعته هذه وأن تعلم بأن الطفل يجد في تلك الخرق البالية سلوى لا يجدها في تلك اللعبة التي تراها هي جميلة ويراها هو قبيحة لأن تلك الخرق تمكنه من أعمال فكره ومخيلته ويديه وتوحي إليه الاجتهاد في تأليف شيء منها بيد أنه لا يجد في تلك اللعبة غايته. وإذا ما اعتاد الطفل من صغره هذه الأمور نما في هـ فكر الاختراع والابتكار والتنقيب ومال إلى الصبر والثبات والاجتهاد فكان الشغل في مستقبل حياته لذة له.
والأمر الثالث: الذي يجب إنماؤه في الطفل حب الاكتشاف. أن مثل الطفل مثل رجل غريب يدخل بلادًا جديدة فيجدُّ في كشف ما فيها من الأسرار فعلى المربي ألا يقاوم الطفل في سائر أعماله الموصلة إلى تلك الكشوف لا بل عليه أن يسهل له الأمر كلما عسر عليه بدون أن يلحظ منه الطفل المساعدة أو المداخلة في شؤونه.
والطفل اجتماعي بطبيعته وحبه للاجتماع يساعده ويمكنه من الاستكشاف ولهذا نراه في سنواته الأولى يفتش عن أمثاله وأشباها ليجتمع بهم ويؤلف مجتمعًا وهذا المجتمع ضروري لا منوحة عنه سواء كان مؤلفًا من أخوته وأخواته أو رفقائه في المدرسة أو سواهم.
لنتركه يجري اختباراته في هذه الحياة ولا نكن ممن يكثرون النصائح والتنبيهات ولا نكرر عليه ما قلنا له منذ هنيهة. فلندعه وشأنه لأننا ولو أكثرنا من الاحتياطات نظل مقصرين
1 / 42