بالدرة وحملها، وكانت درته أهيب من السيف.
وله من الكرامات ما لا تحصى فمن كرامته أن العناصر الأربع وافقته، عنصر الماء والهواء والتراب والنار، وأما موافقة عنصر الماء له ففي قصة النيل، وذلك أن مصر لما انفتحت وتولى عمرو بن العاص بها في خلافه سيدنا عمر ﵁ نائبًا عنه، وجاء وقت زيادة النيل، اجتمع أهل مصر وجاءوا إلى عمرو بن العاص وقالوا: هذا النيل يحتاج في كل سنه إلى جارية بكر من أحسن الجوار من بنات مصر، وتحلى بأنواع الحلي والحلل، وتزين بأنواع الزينة كالعروس التي تزف إلى زوجها، ثم نلقيها فيه وإلا فلا يجري ويخرب البلاد، فقال لهم: لا أفعل شيئًا حتى أشاور أمير المؤمنين، فكتب كتابًا إلى عمر بن الخطاب يخبره فكتب إليه عمر كتابًا جوابًا إليه عن كتابه وفيه رقعة مكتوب فيها: «من عبد الله عمر بن الخطاب أما بعد: فإن كنت تجري من قبلك، فلا تجر ولا حاجة بنا إليك، وإن كان الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك» وأمره أن يلقيها في النيل، فلما ألقى البطاقة في النيل، أصبحوا وقد أجرى الله النيل، وطلع ستة عشر ذراعًا في ليلة واحدة، ببركة عمر بن الخطاب، وأراح الله المسلمين من هذه البدعة القبيحة، التي كانت تصنع كل سنة من زمن فرعون إلى خلافة عمر ﵁ وأنشد بعضهم في المعنى فقال:
يا أيها النيل المبارك إن تكن ... من عند ربك تأت فاجر بأمره
وإن تكن من عند نفسك تأتنا ... فالله يبسط في بره
كم من بلاد ليس تعرف أرضها ... ملأ الإله بيوتها من بره
ووافقه عنصر الماء مرة أخرى وذلك: أنه بعث جيشًا إلى مدائن كسرى، وأمرَّ عليهم سعد بن أبي وقاص، وجعل قائد الجيش خالد بن الوليد، فلما بلغوا شط دجله ولم يجدوا سفينة تقدم سعد وخالد فقالا: يا بحر إنك تجري بأمر الله فبحرمة محمد ﷺ وبعدل عمر خليفة رسول الله ألا ما خليتنا والعبور، فعبر الجيش بخيله وحماله ورجاله إلى المدائن ولم تبتل حوافرها.
وأما موافقه عنصر الهواء فذلك: أنه أرسل جيشًا وأمرَّ عليهم شخصًا يقال له: سارية، فلما قربوا من العدو كمنوا لهم وراء جبل وكانت نجاتهم في الصعود على الجبل، وكان نهار جمعة، فلما صعد المنبر للخطبة أطلعه الله على جيشه الذي أرسله، وعلى الكمين، وكشفت الحجب له من مسافة بعيدة، فبينما هو في الخطبة نادي: يا سارية الجبل مرتين أو ثلاثًا فاحتمل الهواء صوته حتى بلغ سارية فصعد الجبل وسلموا من
1 / 97