العدو، ثم أقبل على خطبته، فلما قضى صلاته سأله عبد الرحمن بن عوف، وكان ينبسط معه وقال له: يا أمير المؤمنين ما هذا الذي وقع منك في حال الخطبة؟ ناديت يا سارية الجبل، وجعلت للناس عليك كلامًا بإتيانك بشيء في الخطبة ليس منها، فقال: رأيت سارية وأصحابه يقاتلون عند جبل يؤخذون من جهته من بين أيديهم ومن خلفهم، فلم أملك أن قلت: يا سارية الجبل ليلحقوا بالجبل، فلم تمض أيام قليلة حتى عاد الجيش فقالوا: صلينا الصبح إلى أن حضرت الجمعة، فسمعت صوت مناد ينادي إلى الجبل، فلحقنا بالجبل فلم نزل قاهرين لعدونا، حتى هزمهم الله تعالى.
وأما موافقة عنصر التراب له فذلك أن الأرض زلزلت في أيامه واضطربت، فضربها برجله، وقيل: بدرَّته وقال: أتزلزلين وأنا أعدل عليك، فما زلزلت في حياته بعد تلك المرة قط.
ونقل السبكي عن إمام الحرمين أنه قال: إن الأرض زلزلت على زمن عمر، فحمد الله، وأثنى عليه، والأرض ترتج ثم ضربها بدرته، وقال: أقري ألم أعدل عليك؟ فاستقرت من وقتها.
قال السبكي: كان عمر على الحقيقة في الظاهر والباطن، وخليفة الله في الأرض، فهو يعزر الأرض ويؤدبها بما يصدر منها، كما يعزر ساكنيها على خطيأتهم.
فإن قيل: أيجب على الأرض تعزير وهي غير مكلفة؟
فالجواب: أن سيدنا عمر استوى عنده الظاهر والباطن، فجاز له تعزيرها لذلك، فإن ظاهر الشرع ما يبحث عنه الفقيه وباطن يطلع الله عليه بعض أصفيائه كعمر ﵁ ونظير فعل عمر ما فعله موسى بن عمران بالحجر، لما مر بثوبه فلحقه وهو يقول: ثوبي حجر ثوبي حجر، وضربه ستًا أو سبعًا.
وقول سيدنا عمر للأرض: «ألم أعدل عليك» فيه إشارة إلى أن الظلم موجب الانتقام، وأن العدل موجب للرضا وأن الأرض مطيعة لله، وليس لها الارتجاج إلا في الوقت المعلوم وهو يوم القيامة كما قال تعالى: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾ [الزلزلة: ١]، وكذلك وقت وقوع الجور من الحكام كما يدل ذلك قوله تعالى ﴿تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَدًاّ * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا﴾ [مريم: ٩٠، ٩١] فدلت الآية على أن الأرض لولا أن الله يمسكها لانشقت من الجور والظلم والفجور الكائن عليها.
1 / 98