نظر إليك بالشفقة والرحمة ليلة عرفة، وجعلك مفتاح الإسلام» (١) .
وعن عمران بن حصين (٢)
قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إذا كان يوم القيامة وحشر الناس، جاء عمر بن الخطاب حتى يقف في الموقف فيأتيه شيء أشبه شيء به، فيقول: جزاك الله يا عمر خيرًا، فيقول له من أنت؟ فيقول: أنا الإسلام، جزاك الله يا عمر خيرًا ثم ينادي مناد: لا يدفعن لأحد كتاب حتى يدفع لعمر بن الخطاب ﵁، ثم يعطى كتابه بيمينه، ويؤذن به إلى الجنة» (٣) فبكى عمر وأعتق جميع ما يملكه وهم تسعة.
وقال ابن مسعود (٤)
: وكان إسلام عمر فتحًا وهجرته نصرًا وإمامته رحمة، ولقد رأيتنا ما نستطيع أن نصلي في البيت حتى أسلم عمر، فكان رسول الله ﷺ ومن معه يصلون في البيت خفية، فقال عمر: يا رسول الله على من تخفي ديننا، ونحن على الحق وهم على الباطل، فقال: إنا قليلون، فقال والذي بعثك بالحق نبيًا لا يبقى مجلس من المجالس التي جلست فيها إلا أقر الإيمان، ثم خرج عمر، وطاف بالبيت، وهو يظهر الشهادتين، فوثب إليه المشركون، فوثب عمر على واحد منهم وجلس على صدره، وأدخل أصبعيه في عينيه فصاح الرجل ففروا من عمر، ثم جاء إلى النبي ﷺ وقال: يا رسول لم يبق مجلس إلا وأظهرت فيه الإيمان فخرج رسول الله ﷺ من الدار وعمر أمامه وحمزة خلفه، حتى طاف بالبيت، وصلى الظهر جهرة.
وهو من المهاجرين الأولين صلي إلى القبلتين، وشهد بدرًا وبيعة الرضوان، وجميع المشاهد مع رسول الله ﷺ، بويع له بالخلافة يوم موت الصديق، وهو يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادي الآخر سنة ثلاث عشرة بوصية الصديق إليه فإن أبا بكر ﵁ لما أيس من حياته دعا عثمان وأملى عليه كتاب أبي بكر ﷺ فلما كتب ضم الصحيفة وأخرجها للناس يوم موت الصديق، وأمرهم أن يبايعوا لمن في الصحيفة، فبايعوا حتى مرت بعلي (٥)
﵁ فقال: بايعنا لمن فيها وإن كان عمر، فوقع الاتفاق على خلافته، فسار بأحسن سيرة، وزين الإسلام بعدالته، وفتح في خلافته الفتوحات، وهو أول من ضرب
_________
(١) لم نقف عليه.
(٢) عمران بن الحصين هو: عمران بن حصين بن عبيد، أبو نجيد الخزاعي: من علماء الصحابة، أسلم عام خيبر سنة ٧ هـ، وكانت معه رآية خزاعة يوم فتح مكة، وبعثه عمر إلى أهل البصرة ليفقههم في الدين، وولاه زياد قضاءها وتوفي بها عام: ٥٢ هـ، وله في كتب الحديث ١٣٠ حديثًا.
والواحدي هو: أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي، مفسر ومن علماء التأويل، أصله من ساوه، لزم الأستاذ أبو إسحاق الثعالبي وأخذ وأكثر عنه في النقل، وكان الواحدي له باع طويل في العربية واللهجات، وتصدر للتدريس مدة وعظم شأنه، وله شعر رائق، له من التصانيف: أسباب النزول وهو مشهور، مات بنيسابور في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وأربعمائة.
انظر: طبقات المفسرين للسيوطي (ص: ٧٠)، البداية والنهاية (١٢/١١٤)، شذرات الذهب (٣/٣٣٠)، طبقات الشافعية للسبكي (٥/٢٤٠)، النجوم الزاهرة (٥/١٠٤)، العبر (٣/٢٦٧)، وفيات الأعيان (٢/٤٦٤) .
(٣) لم نقف عليه بهذا اللفظ، ولكن وجدنا معناه عند محب الدين الطبري في الرياض النضرة (١/٣٣٢) طرفًا منه عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله ﷺ: «أول من يعطى من هذه الأمة كتابه بيمينه عمر بن الخطاب، وله شعاع كشعاع الشمس، فقيل له: فأين أبو بكر يا رسول الله قال: هيهات زفته الملائكة إلى الجنان» قال محب الدين الطبري: خرجه صاحب الديباج.
(٤) ابن مسعود هو: أبو عبد الرحمن، عبد الله بن مسعود ﵁، أسلم قديما، ويقال: سادس من أسلم، وكان صاحب سر رسول الله ﷺ، مات بالمدينة سنة (٣٣هـ) .
انظر: الإصابة (٤/٢٣٣) .
(٥) هو: علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، أبو الحسن: أمير المؤمنين، رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين، وابن عم النبي وصهره، وأحد الشجعان الأبطال، ومن أكابر الخطباء والعلماء بالقضاء، وأول الناس إسلامًا بعد خديجة.
ولد بمكة، وربي في حجر النبي ﷺ ولم يفارقه، وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد، ولما آخى النبي ﷺ بين أصحابه قال له: «أنت أخي»، وولي الخلافة بعد مقتل عثمان ابن عفان سنة ٣٥هـ، فقام بعض أكابر الصحابة يطلبون القبض على قتلة عثمان وقتلهم وتوقى علي الفتنة، فتريث حتى لا تقوم فتنة عظيمة، وما توقاه علي لم يقبله بعض الصحابة، فوقع المسلمون في فتنة عظيمة دخلها الوشاة وأصحاب النفوس المريضة فقلبوا الأمور، وخلطوا الصالح بالسيئ عداوة منهم لدين الإسلام، ولهذه الفتنة تفصيل في كتب التاريخ ليس محل ذكره ههنا، والمؤلف السفيري سيترجم لعلي وسيتعرض للكلا على هذه الفتنة وسوف نعلق عليها بما يقتضيه المقام.
ومن صفاته أنه كان أسمر اللون، عظيم البطن والعينين، أقرب إلى القصر، وكانت لحيته ملء ما بين منكبيه، وولد له ٢٨ ولدًا منهم ١١ ذكرًا و١٧ أنثى.
وقد أقام علي بالكوفة دار خلافته إلى أن قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي غيلة في مؤامرة ١٧ رمضان المشهورة، واختلف في مكان قبره، فقيل: في قصر الإمارة بالكوفة، وقيل: في رحبة الكوفة، وقيل: بنجف الحيرة، وقيل: إنه وضع في صندوق وحمل على بعير يريدون به المدنية فلما كانوا ببلاد طيء أخذ بنو طيء البعير ونحروه ودفنوا عليًا في أرضهم، ونقل عن المبرد، قال: أول من حول من قبر إلى قبر: علي ﵁.
روى عن النبي ﷺ، وجمعت خطبه وأقواله ورسائله في كتاب سمي: نهج البلاغة، وأكثر الباحثين شك في نسبته كله إليه، أما ما يرويه أصحاب الأقاصيص من شعره وما جمعوه وسموه: ديوان علي بن أبي طالب، فمعظمه أو كله مدسوس عليه.
1 / 96