الذي يؤمن بالله وكلماته ) [الأعراف : 158]. وفي الحديث : «بعثت إلى أمة أمية» (1)، لأنهم لم يكن لهم علم بعلوم الأقدمين. والأمي منسوب إلى الأم وهو الباقي على أصل ولادة الأم ، لم يتعلم كتابا ولا غيره. فهو على أصل خلقته التي ولد عليها ، وفي الحديث : «نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب. الشهر هكذا وهكذا وهكذا» (2). وقد فسر معنى الأمية في الحديث : أي ليس لنا علم بالحساب ، ولا الكتاب ، ونحوه قوله تعالى : ( وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك ) [العنكبوت : 48]. وما أشبه هذا من الأدلة المبثوثة في الكتاب والسنة ، الدالة على أن الشريعة موضوعة على وصف الأمية. لأن أهلها كذلك.
والثاني : أن الشريعة التي بعث بها النبي الأمي إلى العرب خصوصا ، وإلى من سواهم عموما ، إما أن تكون على نسبة ما هم عليه من وصف الأمية ، أو لا. فإن كانت كذلك ، فهو معنى كونها أمية أي منسوبة إلى الأميين ، وإن لم تكن كذلك ، لزم أن تكون على غير ما عهدوا. فلم تكن لتنتزل من أنفسهم منزلة ما تعهد ، وذلك خلاف ما وضع عليه الأمر فيها. فلا بد أن تكون على ما يعهدون. والعرب لم تعهد إلا ما وصفه الله به من الأمية ، فالشريعة إذا أمية.
والثالث : أنه لو لم يكن على ما يعهدون لم يكن عندهم معجزا ، ولكانوا يخرجون عن مقتضى التعجيز بقولهم : هذا على غير ما عهدنا. إذ ليس لنا عهد بمثل هذا الكلام ، من حيث إن كلامنا معروف مفهوم عندنا ، وهذا ليس بمفهوم ولا معروف. فلم تقم الحجة عليهم به. ولذلك قال سبحانه : ( ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لو لا فصلت آياته ، ء أعجمي وعربي .. ) [فصلت : 44] فجعل لهم الحجة على فرض كون القرآن أعجميا ، ولما قالوا : ( إنما يعلمه بشر ) [النحل : 103]. رد الله عليهم بقوله : ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي ، وهذا لسان عربي مبين )
Bogga 57