وأجمل لك القول: إنما انتخب الله الولي، وبلغ به هذه المنازل، وليجعله حجة على أهل الموقف، وليرى الملائكة عيب قولهم: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} لما قال: {إني جاعل في الأرض خليفة} {إني أعلم ما لا تعلمون} فأراد لمثل هذا الولي أن يجعل أحواله جلية على أعين الملائكة وحجة على الخلق، لا ليجعله عبرة في الذنوب. ثم قال له: ارفع بال الذنوب عن قلبك، فهذه وسوسة الشيطان، وإياك أن تصغي أذنك إلى هذا القول.
فأي حبيب له صدق المحبة في قلبك (وأنت) تجهد نفسك على مخالفته؟ فإن بدت منك جفوة، لا تسخو نفسك أن تستقر حتى تعتبه، ومثل هذا يقلقك في الآدميين.
وكيف تتهنى بطعام أو بشراب قبل أن تعتب الكريم الجليل؟ فإنه لو
لم يرفع ذلك (ذكرى المعصية) عن قلبك، بلطف رحمته، بعد حين وبعد -ما احترقت في حبه- فكيف تجد القرار؟
(الفصل الحادي والعشرون) (الولي والأسرار الإلهية)
واعلم أن من أراد الله هدايته، واكتنفته رأفته ورحمته، ومنحه طريق محبته - فسبيله إذا فتح عليه هذا الطريق أن يرزقه خشيته.
وإنما برزت الخشية من العلم به؛ فإذا علمه القلب خشيه. وإنما ينال العلم من الفتح؛ فإذا فتح الله له، شاهد الأشياء ببصر قلبه: فعلمه، فخشيه. وإذا التزم القلب الخشية حشاه (الله) بالمحبة. فيكون بالخشية معتصما مما كره الله سبحانه، (مهما) دق أو جل. (ويكون) بالمحبة منبسطا في أمور، ذا شجاعة.
فلو ترك (الله العبد) مع الخشية، لانقبض وعجز عن كثير من أموره. ولو تركه مع المحبة وحدها، لاستبد وتعدى: لأن النفس تهيج ببهجة المحبة. ولكنه، تبارك اسمه! لطف به: فجعل الخشية بطانته، والمحبة ظهارته حتى يستقيم به قبله. فيرى التبسم والانطلاق والسعة في وجه (العبد) وأموره، وذلك لظهور المحبة على قلبه؛ (ومع ذلك، في داخله) أمثال الجبال خشية!
Bogga 67