(الفصل العشرون) (الولي والخطيئة)
قال له قائل: فما حال هذا الذي تصفه بهذه الصفة في وقت المقدور عليه من المعصية؟
قال: حاله لا يوصف.
قال: وكيف لا يوصف.
قال: لأني لو وصفت، لم أصف جزءا من عشرة آلاف مما يحل لصاحبه هذا، إذا وقع في المقدور عليه من الخطيئة ثم انتبه منها. فكل شعرة منه تصرخ إلى الله تعالى ندما. وكل عرق يئن إليه ألما. وكل مفصل منه يتطاير هولا وذهولا. ونفسه دهشة. وقلبه هائم. فإذا لاحظ جلاله، كادت نفسه تزهق. وإذا لاحظ محبته، اشتعل نارا فأحرقت مصارينه. ويكاد كيده يتقطع. ولكأن مصائب الدنيا كلها تراكمت على صدره. لا يطمأن إلى شيء حتى يكون الله هو الذي يرحمه فيرفه عنه ذلك. ولا يزال هذا كيا على قلبه. فمتى يزول عنه أثر ذلك الكي؟ كلما نظر إلى أثر هذا الكي، فاضت عبراته، وجعا وحياء، حتى يعطف الله عليه، فيطمس ذلك منه.
قال له القائل: إنك لتصف أمرا على غير سبيل ما أشار إليه يحيى بن معاذ، رحمه الله.
قال: رحم الله يحيى بن معاذ! قد عرفت مكان يحيى من هذا الأمر. كان يحيى رجلا من أولياء الله، ممن له حظ في هذا الأمر. ولكن الله عز وجل، فتح له في الغيب من ملك الجمال؛ وملك البهجة مقرون بملك الجمال. فكان إياه يلاحظ، وعنه ينطق؛ وكذلك الشيوخ الذين صحبهم.
وصاحب هذا المحل، الأنس غالب على قلبه. والمأنوس منبسط. ويخرجه انبساطه إلى الإدلال. فإن لم يعصمه الله ويؤيده سقط. لأن الجمال يذيبه فيفقده. والبهجة تجيش فترمي به. مثله كمثل قدر فيها من كل شيء من الأطايب؛ ومن تحتها لهب النار. فإذا اشتد غليان القدر؛ جاش بما فيها فرمت بأطايبه ودسمه. وفي هذا المقام يسقم القول. ومن أراد الله به خيرا، قدمه من ملك الجمال، إلى ملك الجلال إلى ملك الكبرياء إلى ملك الهيبة، حتى يقدمه إلى ملك الملك؛ إلى ملك الفردانية. فهيهات أن يخطر ذلك الكلام ببال المقدم وذكره! وقد عرفنا ذلك القول، وهو قول سقيم، غير مقبول ممن قاله، وإن كان له حظ من الولاية.
Bogga 66