(الفصل التاسع عشر) (الولاية والسعادة والمحبة)
وأما قوله: الولاية والسعادة والشقاوة غيب لا يعلمه إلا الله - أفليس قد أعلم الله تعالى كثيرا من عباده ذلك؟ وأعلم الله، على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، كثيرا من عبيده بشقاوتهم وسعادتهم، مثل أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، حيث شهد لهما بالجنة؟
فإذا كانت الولاية من الله تعالى حقا لعباده، فبشراه لهم حق (أيضا) ولكن صاحب هذا القول خلو من هذا العلم. فهو يحسب أن الولي هو الذي يصير نفسه وليا بصدقه. وهذا حمق! كأنه لم يتنبه لقوله تعالى: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور} وقوله تعالى: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور}.
ويقال له أيضا: أليس قد اطلع الله مريم على الغيب من أمر عيسى، عليه السلام؟ فلما تعجبت، وقالت: {أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر} قيل لها: {كذلك قال ربك} فعندئذ سكتت واطمأنت. فأثنى الله عليها في تنزيله، فقال عز من قائل: {وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين} فإنها لم تسأله آية على ما بشرت، فأثنى الله عليها وسماها في تنزيله {صديقة} أليس قد وجدت رزقا، فقالت: {هو من عند الله} أليس قد وجدت شيئا لا يعرف في الدنيا ذلك الوقت؟ وجدت فاكهة الصيف في الشتاء. فكان يكون ذلك ممكنا أن يكون الشيطان يحمل إليها سرقة، من عند الآدميين. فهل سبق إلى قلبها قط، إن هذا لعله من الشيطان، يريد أن يخدعها بمثل هذا؟ أليس قد اطمأنت إلى ذلك وقالت: {هو من عند الله}.
Bogga 64