فهذا عمل الروح، الذي ليس له من حظوظ القلب ومحله ومصيره إلى العلا شيء - فكيف بالقلوب التي وصفنا؟ أليس هذا الذي تكلم به أويس من الغيب، ولم يعرفه قط؟ أليس قد اطلع عليه؟ وقول عمر، رضي الله عنه، للأشتر: ((إني لأرى للمسلمين منه يوما شرا عصيبا))؟ وقوله: يا سارية، الجبل!)) وهو على المنبر . ومثل هذا أكثر من أن يحصى. وقول أبي بكر، رضي الله عنه، لعائشة، رضي الله عنها: ((إني كنت نحلتك جدار نحل بالعالية. ولم تكوني حزته، وإنما هو مال الوارث، وإنما هو أخوك وأختاك)) فقالت له: يا أبت، إنما لي أخت واحدة. فقال: إني ألقي في روعي أن الذي في بطن بنت حارثة (هو) بنت: قالت: فولدت ابنة! أفليس قد حكم (أبو بكر) بما ألقى في روعه، فقال: ((فإنما هما أختاك))؟ فأثبت بالقول أن الذي في بطنها من ولده وأنها بنت. أفليس هذا غيبا قد اطلع عليه من طريق الحديث أو من طريق الإلهام؟
ويقال لهذا الزاعم: أن الغيب على وجوه. فهل علمت أي غيب هذا (الذي يعنيه الله في قوله): {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله}. وقال في آية أخرى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول}. ثم نجد في الأنبياء من ليس برسول، وقد أظهره الله على غيبه من طريق الوحي. (فهناك) غيب عنده (تعالى) يكاد يخفيه من نفسه: وهي الساعة. وغيب أظهره عند المحدثين والأولياء. فهل ميزت بين هذه الأشياء؟ أم أنت في خرف وعجرفة؟ سمعت باسم الغيب (فذهبت) تكرر آية من عرض القرآن محتجا بها!
فما لك يا مسكين، والتعرض لحرمة الأولياء؟ أنت رجل عبد نفسه. لم تتخلص من غمة الهوى، فضلا عن الهوى. ولكن هواك راجع إليك. فأنت، في علائق النفس والوساوس، مأسور، فاحذر أن تدخل في منازل الأولياء وكلامهم، فأنت لست من علمهم في شيء!
Bogga 63