فأما قوله (المنكر لأحوال الأولياء) محتجا (بقوله تعالى): {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} فهل يدري قائل هذا القول، ما المكر، ليحتج به ههنا؟ وتفسير المكر أغمض من أن يفهمه صاحب هذا الكلام. فالأنبياء والرسل لم يأمنوا المكر بعد البشرى. وليس المكر عندنا ما يعقله العامة، (أعني المكر الذي) هو خوف التحويل؛ فذلك غير حاصل، (فإنه) إذا أمن وبشر أمن من المكر. وأما المكر الذي لا يجوز أمنه فأعظم شأنا من (أن يفسر أو يوضح هنا).
وأما قوله: أن هذا يؤدي إلى الزندقة، فليت شعري هل يدري ما الزندقة؟ أو سمع الناس يذكرون اسما قبيحا (فطفق يردده كالببغاء!) فكل من تحرك يريد التشنيع على غيره، يقول: هذا زندقة! فلو قال الآخر: بل الذي في يدك زندقة، لأنك تزعم أنك تعبد الله وأنت تعبد نفسك وهواك. ونفسك صنم بين يديك، وأنت معني بها فماذا تقول له؟
وأما قوله: {لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله} فعلم الغيب عند الله. وكم من غيب اطلع عليه رسوله! فأية حجة في هذا؟ وإنما يريد أن يروج بمثل هذا على الأغبياء. وكم من غيب اطلع الله عليه أهل الإلهام حتى نطقوا به، وأهل الفراسة! ولم قال أبو الدرداء، رضي الله عنه: ((اتق فراسة المؤمن، فإنها، والله، حق يقذفها الله في قلوبهم وأبصارهم))؟ ومن أين قال سلمان رضي الله عنه، للحارث صاحب معاذ: ((عرف روحي روحك))؟ ومن أين قال أويس القرني: ((وعليك السلام، يا هرم ابن حيان؟)) قال: ((ومن أين عرفت أني هرم بن حيان))؟ قال: ((عرف روحي روحك)).
Bogga 62