وهؤلاء القراء، أعني المدعين للصدق، يدفعون ما وصفنا من شأن المحدثين والملهمين، الذين هم خاصة الأولياء. يقدرون ذلك من تلقاء أنفسهم، ويزعمون ((أن هذا لا يكون. وما وجدت علة (ل) هذا الذي دهاهم، حتى أنهم أنكروا (كرامات الأولياء). إلا أنهم قدروا هذه الأمور على ما رأوا من حظوظ نفوسهم منه (الله تعالى). فإنما حظهم منه التوحيد، ثم الجهد في وفاء الصدق، ثم الصدق في الجهد حتى ينالوا شيئا من القربة. وهم في عمى عن علم منن الله تعالى، وحظوظه لخاصته، ومحبته إياهم ورأفته لهم. فإذا سمعوا بشيء من هذا تحيروا وأنكروه.
ثم هم يروون الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء لمكانهم وقربهم من الله، عز وجل!)). و((ليتمنين اثنا عشر نبيا أنهم كانوا من أمتي))؛ ((لو أقسمت، لبررت، أن لا يدخل قبل سابقي أمتي الجنة إلا بضعة عشر منهم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومريم ابنة عمران)). فإذا رأوا هذه الأخبار سمحوا، وإذا صاروا إلى الإشارات وإلى المنصوص من الناس جحدوا. فهل هذا إلا من الحسد؟ فصار مثالهم في هذا، كما قال الله تعالى في تنزيله: {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} كانوا يتحدثون فيما بينهم بمبعث نبي يخرج على دين إبراهيم، خليل الرحمن، صلوات الله عليه، فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم ، جحدوه.
قال له قائل: أليس في هذه الأخبار ما يدل على تفضيل من دون الأنبياء على الأنبياء؟
قال: معاذ الله أن يكون كذلك! (فإنه) ليس لأحد أن يفضل على الأنبياء أحدا لفضل نبوتهم ومحلهم.
قال (له قائل): هلم فيغبطهم النبيون وليسوا بأفضل منهم؟
قال: قد فسره في الخبر، وذلك: ((لقربهم ومكانهم من الله)).
Bogga 61